كنت في زيارة لمدينة فرانكفورت الألمانية، لأول مرة، عام 2004م، وحينما أردت استخدام قطار المترو، وجدت الألمان يقفون أمام خريطة في المحطة، يحددون في الجهة التي يقصدون الذهاب إليها، ثم يراجعون قيمة التذكرة، ويذهب كل واحد منهم إلى جهاز آلي لإصدار التذاكر، فيطلب التذكرة المقصودة، بعد أن يدفع للآلة المبلغ المحدد لرحلته القصيرة، يستلم تذكرته، ثم يصعد القطار المخصص، ولم تكن التقنية هي ما أدهشني، بل إنّ الراكب في قطار المترو يبلغ هدفه المقصود دون أن يمر عليه جامع التذاكر كالعادة، ليتأكد من أنّ قانونية ركوبه، وأنّ جميع الركاب قد دفعوا ثمن ركوبهم، وحينما سألت الأصدقاء هناك، قالوا إنّ القطارات في ألمانيا كلها تعمل بهذه الآلية، وإنّ الألمان، وهم غير مسلمين، يقومون بدفع قيمة ركوب القطار بأمانة، حتى لو لم يتعرّضوا لمراقبة من الجهة المشغّلة للقطارات.
تذكّرت كل ذلك، وأنا أقرأ تصريح رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة أسامة فيلالي، وهو يؤكد أنّ عدد من نقلهم قطار المشاعر من غير حاملي التذاكر يصل إلى 200 ألف حاج، موضحاً أنّ اللجنة تحتفظ بصور ومقاطع فيديو توثق ما حدث من تدافع في القطار، وبالطبع التعدّي على حق من يحملون التذاكر، بإجبارهم على الانتظار لساعات طويلة، أو البحث عن وسائل نقل أخرى.
وبعيداً عن منطق «خلك ذيب» القبيح، ومبدأ «اللي ما يأخذ القدح بيده ما يروى»، وكل الأمثال والحكم الساذجة التي تحرّض على أخذ ما ليس للإنسان، أي باختصار تطبيق قانون السرقة وقطع الطريق المعمول به في الغابات والصحارى، فإنّ ما أثار دهشتي واستغرابي، هو أن يفعل ذلك حاج إلى بيت الله، تكبّد مشقّة السفر، وخسر المال، وقطع آلاف الأميال، وربما أمضى نصف عمره وهو يحلم بزيارة أقدس بقاع الأرض، كي يؤدي مناسك الحج على أكمل وجه، ويعود إلى بلاده أو مدينته - إنْ كان من حجاج الداخل - كما ولدته أُمه، ثم يهدر كل ذلك الحلم، بسرقة بضعة ريالات لا تستحق أن تُلبس حجته الشوائب، نعم هي سرقة لا تقبل الجدل، أن تركب في قطار رحلته بثمن معلوم، دون أن تدفع ذلك الثمن، فأنت كمن أدخل يده في جيب رجل، وسرق ماله. فضلاً عن أنك كحاج قد سلبت حق حاج آخر، حجز مكانه في القطار، واضطر إلى اتخاذ وسيلة نقل أخرى، بعد أن أنهكه الانتظار لساعات طويلة، لأنك ببساطة سرقت مقعده!.
فما الذي ينقصنا عن الألمان والأوربيين الآخرين، الذين لا يمكن أن تمتد أيديهم على ما ليس لهم، رغم أننا كمسلمين، يحثنا ديننا على الأمانة، ويعتبر السرقة من الأفعال التي تستحق إقامة الحد عليها؟ هل هناك سبب آخر غير التربية والثقافة؟ لا أظن ذلك، فكثير من دولنا الإسلامية تعاني من التخلُّف والهمجية، رغم أننا نغضب حينما نقرأ أنّ 80 بالمائة من الدول المتخلّفة هي دول إسلامية، ونعتقد أنّ هناك مؤامرة ينظمها الغرب ضدنا بإحصائياته المشبوهة، لكننا حينما نمعن في تصرفاتنا، ندرك أننا فعلاً في قلب التخلُّف والفوضى، فما أشقانا ونحن نرتكب هذه الفوضى والتعدّي والتدافع أثناء أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، في حين كان المنتظر منا أننا نؤثر بعضنا بعضاً.