كل متابع لأوضاع التحالفات الإقليمية في العشر السنوات الماضية في الشرق الأوسط، سيصل إلى أن الحلف الإيراني العراقي السوري وانتهاء بحزب الله في لبنان، أو حلف (الهلال الشيعي)كما وصفه ملك الأردن، هو الذي أبعد النظام السوري عن المحيط العربي، وأثار كثيراً من المخاوف لدى كل دول المنطقة العربية وتركيا، ما جعل ثورة الشعب السوري على نظامه تجد مساندة سياسية منقطعة النظير من أغلب الدول العربية، إضافة إلى مساندة الدول الغربية، فالحلف السوري الإيراني بعد أن ابتلعت إيران العراق، وحكمت لبنان من خلال حكومة حزب الله القائمة، يجعل سوريا ونظام الأسد بمثابة واسطة العقد من هذا الحلف الذي تسعى إيران من خلاله إلى السيطرة على المنطقة الممتدة من وسط آسيا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط؛ أي أن سقوط النظام السوري يعني بالضرورة سقوط حزب الله وعزله في لبنان، وعزل عراق المالكي؛ وبالتالي انفراط حبل الحلف الشيعي الشيعي، ومحاصرة طموحات الإمبراطورية الإيرانية في المنطقة.
والسؤال: ما الذي جعل بشار يذهب بعيداً ويخاصم الجميع ويرمي بكل أوراقه إلى جانب الفرس وهو الذي يدّعي أن من ضمن أهدافه (بعث) الفكر القومي من جديد لدى الشعوب العربية على أمل قيام دولة الوحدة العربية؟
أغلب الظن أن انتماءه العلوي كان مسيطر اًعلى تفكيره وعلى تفكير أركان نظامه، ما جعلهم يشعرون بنوع من الخوف والهلع وهم يرون شعوب المنطقة تتجه إلى الانتماءات والتحزّبات المذهبية، فقَدّر أن بقاءه وبقاء نظامه مرتبط ارتباطاً عضوياً بانتمائه المذهبي الذي لا يستطيع أن يتخلّص منه، ولا أن يتخلّص من تاريخ أبيه الدموي في (حماة) تجاه الطائفة السنية؛ فلم يجد إلا الأحضان الإيرانية ليرتمي فيها، ويضحي بكل الشعارات التي يرفعها حزب البعث (العربي) الاشتراكي؛ فالقضية كانت بالنسبة إليه قضية وجود لا قضية شعارات سياسة.
ولعل ما يرجح هذا التوجه في التحليل أن النظام في عصر بشار فتحَ كل أبواب الدعوة إلى (التشيّع) على مصاريعها بلا أية تحفظات أو محاذير؛ تقول (حركة العدالة والبناء السورية) المعــــارضة في مــــوقعها عـــلى الشبكة الإلكترونية عن ظـــاهرة تزايد التشيع والمتشيعين في ســوريا: (عدد المتشيعين الإجمالي في سوريا في الوسط الاجتماعي السني وحده (ضمن المجال الزمني 1919- 2007) هو 16000 كحد أقصى، منهم 8040 تشيعوا في الفترة بين 1999 -2007 أي بنسبة 50% من مجموع المتشيعين السنة السورين تشيعوا في عهد بشار الأسد. مجموع المتشيعين من كل الطوائف في الفترة (1919-2007) هو 75878، يتوزعون كالتالي: نسبة المتشيعة من السنَّة هو 21%، ونسبة المتشيعة من الإسماعيليين هي 9% ونسبة المتشيعة من العلويين هي 70%).
وإذا كان الأسد الأب قد شجّع على التشيع، وبالذات تشيع العلويين بهدف إخراجهم من عزلتهم وتقوقعهم وقلتهم وإلحاقهم بالطائفة الإثني عشرية، إلا أنه كان حريصاً على عدم تسرّب أفكار إيران الصفوية بوجهها العنصري القبيح إلى الداخل السوري، غير أن بشار عندما ورث الحكم من والده، متّن هذا التحالف وقوّاه، وترك لإيران الحبل على الغارب لتفعل ما تشاء، فاقتحمت الثقافة الإيرانية (الصفوية) الداخل السوري، وزاد عدد الحسينيات، وانتشرت المراكز الدعوية الشيعية، وكان ذلك يتم على مرأى من بشار، بل يقال بتشجيع ومباركة منه شخصياً، ويبدو أنه كان يشعر أنه سيأتي اليوم الذي سيلفظه فيه المجتمع السوري (السني) فأراد أن يتقوَّى بهم استعداداً لذلك اليوم.
ومهما يكن الأمر فإن التعصب المذهبي لم تعرفه شعوب المنطقة بهذا القدر المتبادل من البغض والكراهية والعداء والدموية خاصة بين السنة والشيعة إلا بعد ثورة الخميني في إيران، ومحاولات نظام الملالي تجنيد أتباع المذهب الشيعي ليكونوا طابوراً خامساً لهم ضد أوطانهم ومواطنيهم؛ جمهورية الخميني ستسقط وتتلاشى حتماً فهي لا تملك أسباب البقاء الموضوعية، أما الذي سيبقى وربما يتجذّر فهو هذه الكراهية المتبادلة بين السنَّة والشيعة والتي أشعل جذوتها هذا النظام الطائفي القميء.
إلى اللقاء