أيام معدودات تزاحمت فيها الأقدام في ساحات المشاعر والبيت الحرام، وتعالت فيها الأصوات بالتلبية والتكبير والذكر والدُّعاء، وخفقت فيها القلوب حبًّا لربِّها، وشوقًا إلى البقاع التي طهّرها وقدّسها وشرَّفها وجعلها قبلة المسلمين، وتوقًا إلى رضا الغفور الرحيم ومغفرته ورحمته التي وسعت كل شيء.

انتهى موسم الحجِّ لهذا العام 1433هـ بعد أن تلاقت فيه قلوب ما يقرب من أربعة ملايين حاج، تزاحموا وتدافعوا، وعاشوا أوقاتًا روحية متألقة، هوّنت عليهم المصاعب، وخفّفت عنهم المتاعب، وأنستهم ما يلاقون من شق الأنفس، ونصب الأبدان، وعنت التزاحم الذي لا مفرّ منه في مساحة محدودة تستقبل الملايين في وقت محدود.

انتهى موسم الحجِّ بِكلِّ ما بذلت فيه الدَّوْلة من جهود كبيرة، وما بذل فيه القائمون على إدارته المباشرة من عمل متواصل يستوعب اللَّيل والنهار، وما وقع فيه من أخطاء لا مفرّ من وقوعها في مهرجان كوني كبير يحتاج إلى جهود مضاعفة ودقة ومتابعة وإخلاص منقطع النظير.

انتهى موسم الحجِّ، موسم الفريضة العملية المكثفة، طوافًا بالكعبة، وسعيًا بين الصفا والمروة، ومبيتًا بمنى وصعودًا إلى عرفة ونزولاً إلى مزدلفة، ثمَّ منى، ثمَّ البيت الحرام، موسم الأمواج البشرية الهادرة بلغات شتَّى تتجاوز خمسين لغة وربما بلغت مئة لغة، تتحدَّث كل لغة إلى ربها بما تحمل قلوب أصحابها من الحبِّ والرَّجاء والخوف والمهابة والدُّعاء طمعًا في الاستجابة، وهو سبحانه يسمع ويَرَى ويعطي ويرعى ويعلم ما لديهم من السر وأخفى.

انتهى موسم الحجِّ لهذا العام عبادة وأداءً، وبدأت جموع الحجيج رحلة العودة إلى ديارها، وبدأت مرحلة جديدة من العمل والتأمُّل ودراسة جوانب الصَّوَاب والخطأ لدى الجهات المعنية بخدمات الحجِّ، فهذا ما يفترض أن يكون، لأنّ موسمًا عظيمًا كهذا الموسم يحتاج إلى متابعة مستمرة وجهود دائبة، وأريحية في استقبال النقد مهما كان قاسيًا أحيانًا، فالنقد ينبه إلى الأخطاء، ويوجِّه إلى الثغرات، ويعين على المعالجة الناجحة.

انتهى موسم الحجِّ... فالحمد لله على ما يسر ونسأله القبول والتوفيق.

إشارة... الحجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلا الجنة.