ثلاثة أنظمة من أنظمة الانقلابات العسكرية العربية كانت الأكثر قمعاً وكبتاً وعنفاً وإمعاناً في القتل والمؤامرات والتفجيرات والاغتيالات: نظام صدام في العراق، ونظام القذافي في ليبيا، ونظام الأسد في سوريا. وكان لا بد من زوال هذه الأنظمة الثلاثة واجتثاثها لتعود المنطقة إلى الاستقرار والسلام والبعد عن الاغتيالات والمؤامرات والمغامرات.
نظام الأسد في سوريا ورّثه الأب السفاح للابن السفاح، واستمر الوارث في الحكم بأسلوب المورّث، غير أن الفترة غير الفترة، وعالم البارحة غير عالم الليلة، وما يمكن قبوله في الأمس لا يمكن قبوله اليوم. ثار الشعب السوري على الوارث وأصر على ثورته، وجرب الابن كل أساليب والده، وأعاد إلى الخدمة كل جلاوزة أبيه، غير أن كل محاولاته باءت بالفشل الذريع؛ فنجاح والده وعمه في سحق انتفاضة حماة في الثمانينات لا يمكن تكرارها لاختلاف الظروف والمعطيات والأوضاع والقوى العالمية عنها في بدايات العقد الثامن من القرن المنصرم.
ولا يعني قدرة بشار على الصمود قرابة السنتين أنه قادر على الصمود إلى النهاية، بل على العكس من ذلك، فقدرة الثوار على البقاء والتحدي والصمود رغم دموية النظام وفظائعه غير المسبوقة كل هذه المدة دليل على أن سقوط الأسد ستكون حتماً نهاية المطاف.
ولا أعتقد أن هدنة عيد الأضحى التي طرحها الإبراهيمي قادرة على الاستمرار، فهي لن تكون أفضل من سابقاتها وبالذات مبادرة كوفي عنان، والتي فشلت واستمر القتال.
الأسد لم يبق أمامه الآن إلا إشعال المنطقة وتوسيع دائرة الاضطرابات لتشمل دول الجوار، ولعل الدولة الأضعف بين الدول المجاورة لسوريا هي لبنان، ففيها من المناصرين والحلفاء لنظامه وربما المتورطين معه ما لا يجده في غيرها من دول الجوار، فحزب الله يأتي على رأس القائمة، خاصة وقد اشترك معه في اغتيال الرئيس الحريري كما أثبتت التحقيقات وكذلك الاتهام الظني الذي وجّه إلى أربعة من عناصر الحزب كمسؤولين عن تدبير الانفجار الذي أودى بالحريري ومن معه؛ ولعل اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن اللبناني اللواء وسام الحسن الأسبوع الماضي يؤكّد ذلك، وربما أن من شارك في تنفيذ الاغتيال هو أيضاً حزب الله، ما يجعل لبنان هي المرشحة الأولى للاشتعال وامتداد الحريق السوري إليها. وما من شك أن اشتعال لبنان وانتقال الأزمة إليها سيخفّف الضغوط على الأسد ويجعل فرص نجاته أكبر، ويدخل إلى اللعبة لاعبين جدد ويزيد من تعقيد الحل، وربما يعطي الأسد قدرة على المناورة من خلال تسخين الحدود اللبنانية الإسرائيلية لعبته القديمة، لإدخال إسرائيل إلى القضية وخلط الأوراق أكثر.
بيت القصيد هنا أن الأزمة السورية كلما تُركت لتتفاعل ولم تتدخل القوى العالمية لإنهائها وإسقاط الأسد فقد يتسع محيطها الجغرافي وتتفاقم وتتخذ مسارات أخطر، وفي الوقت نفسه يصبح حلها أكثر صعوبة منه الآن. وإذا كانت أمريكا ودول الاتحاد الأوربي يهمهم أمن إسرائيل كما يعلنون بمناسبة أو من دون مناسبة، فإن ترك الحريق يتسع سيصل حتماً إلى إسرائيل، وعندما تشتعل الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، وربما الجبهة السورية الإسرائيلية أيضاً، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تتماهى مع حروب الاستنزاف الطويلة الأمد، مثلما يقول تاريخها عندما اضطرت إلى الانسحاب مرغمة على الانسحاب من الجنوب اللبناني.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الأسد الآن محاصر، ومقاطع من أغلب الدول العربية، لكنه إذا استطاع إدخال لبنان إلى الأزمة، وأشعل الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، فسوف يضطر كثير من العرب إلى التعامل معه، فإسرائيل عند العرب هي العدو الأول، وهذا ما يجب أن تتنبه إليه أمريكا والغرب.
إلى اللقاء