منذ بدء الخليقة والصراع بين الحق والباطل قائم، وهذه قضية مسلّم بها،جلية في كتاب الله عز وجلّ، ماثلة في قصص الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم،وليس هذا باب بيانها،ولدينا عقيدة عرفت قبل أربعة عشر قرناً من الزمان وهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،لكننا نضعف في فهمها - أحياناً - مع الأحداث والمصائب والكوارث والتكالب،حتى بات البعض يشكّ في أمر هذه العقيدة التي نحن بصدد بيانها، إنها أيها الأخوة الكرام، خيرية أمة الإسلام على باقي الأمم، آمن من آمن أو أنكر من أنكر، لا يضرنا من ضلّ إذا اهتدينا، لدينا نص خبري رباني (قرآني) ثابت يتلى آناء الليل وأطراف النهار،اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى(كنتم خير أمة أخرجت للناس..) إلى آخر الآية، تقوم الدنيا ولا تقعد دون ضابط، عندما يحدث أمر غير محسوب النتيجة، ينال من عقيدة من عقائدنا أو ثابتة من ثوابتنا، نعم الإنكار مطلوب، نعم عدم السكوت أمر مطلوب، لكن هل ردّات الفعل عند جماهير أمتنا مضبوطة؟ كلا! أقرب مذكور، ذلكم ما حدث في بعض البلاد العربية والإسلامية من قتل للآمنين المستأمنين والمعاهدين، واعتداء على سفارات وقنصليات دول غير إسلامية على خلفية الفيلم المسيء لرمز الأمة جمعاء نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، من أشخاص هم كفّار في الأصل، هم أعداء بالفطرة للإسلام والمسلمين، هم من غلاة المتطرفين النصارى واليهود، وأمثالهم وأفعالهم كثر عبر العصور التاريخية، المتحمسون من أبناء أمتنا يقدمون خدمات لهؤلاء لا يحلمون بسقفها وإن كانوا يخططون لها،نعم متى ما كانت ردود الفعل أحادية الجانب وفردية التصرف، فقل على نتائجها السلام،لا، لا، أبداً مثل هذه التصرفات الهوجاء ضررها على الأمة المكلومة! أكبر من نفعها، لنقل صراحة، هل حال أمتنا العربية والإسلامية المعاصر يسر؟ تفرق ما بعده تفرق! اختلاف ما بعده اختلاف! صراعات ما بعدها صراعات! كل ما ذكرت خالفت به أمتنا أصلها القرآني الذي وصفت به من الخيرية، بمعنى آخر أن ما أصابها من اختلال هو بما كسبته يدها، من عدم فعل الأسباب والاقتواء بها لمواجهة المتغيرات ومجابهتها، من الاعتصام بحبل الله ونبذ التفرق، كيف لا! والخالق جلّ شأنه يقول (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا..) وما أحسن قول الشاعر:
(تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً... وإذا افترقن تكسرت أحادا)
ومع أن هذه الخيرية باقية إلى قيام الساعة، إلا أن ما يصيب الأمة بعقائدها وثوابتها من الاختبار والامتحان،هو داخل في دائرة الصراع بين الحق والباطل كما قلت في صدر المقال،لكن هذا لا يعني البتة الركون والاستسلام للواقع المرير، فقد أمرنا الشارع الحكيم بفعل الأسباب (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..) وهذه القوة أحسبها تشمل ما يسمى في عصرنا الحاضر (بإدارة الأزمات) نعم ما يطرأ بين الحين والآخر من سوء تصرف يمس جناب الدين والعقيدة، سواء كان من مسلمين أو غير مسلمين تجاه ثوابتنا العقدية،يجب من وجهة نظري إنكاره بالوسائل الشرعية ومن أهل الحل والعقد من ذوي الاختصاص والتخصص الشرعي بالذات، وعدم تركه لعامّة الخلق ومتحمّسيهم، الذين يسيرون في إنكارهم لمثل هذه الجرائم، بدون ضوابط تحميهم وأوطانهم وأمتهم من عواقب الأمور،أعمال هؤلاء غير المنضبطة بضابط الشرع الحكيم، تقدم خدمة لهؤلاء المجرمين أعداء الأمة، ناهيك عن توسيع دائرة الصراع بين أتباع الديانات والحيلولة دون تضييق المسافات بينها، مهما حرص العقلاء من هذه الديانات،فإذا كان ثمة يد تبني، فثمة أياد تهدم، ونحن أمام هذه الاعتداءات المتكررة على ثوابتنا، من امتهان لكلام الله عز وجل، إلى اعتداء سافر على خاتم الأنبياء والمرسلين، ماذا نتوقع أن يحدث في قادم الأيام من هؤلاء الغلاة المتطرفين المجرمين؟ إذا ما تحركت أمتنا بقوة، ممثلة بحكوماتها في المحافل الدولية، لإيجاد (ميثاق شرف دولي) يجرم الاعتداء على الأنبياء والمرسلين وثوابت أمتنا العقدية، وعدم السماع والإنصياغ لدعاوى حرية التعبير المكفولة بزعم دعاتها، غير وجود ميثاق شرف دولي لهذه القضية، فلن تهدأ تلك العقول الصليبية والصهيونية، وستستغل ردود أفعال الشعوب الإسلامية العكسية في صالحها، وسنكون بالتالي أضحوكة لهؤلاء المجرمين، باعتبارنا - في نظرهم - أمة ضحكت على جهلها الأمم، ما أكثر المنظمات والمراكز الإسلامية، وما أكثر ما نسمع عن الهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم وأمانتها العامة بعد الرسومات الدنماركية في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها دون أثر يذكر، أعتقد أن هذه المراكز والمنظمات والهيئات وما في حكمها، مقصرة لم تقدم ما يشفع لها، كون ردة أفعالها وقتية زمن حدوث الفعل، فما أحرى بالأمة أن تعيد صياغة الاستراتيجيات العملية لهذه المنظمات والمراكز والهيئات، فأعداء الأمة، بدأوا يخترقون الخطوطالحمراء لأمتنا، لمّا شعروا بهوانها على نفسها، عندما لم تبرح لغة التنظير والتسويف فقط، وهذه مواقفنا! لا غير، لا غير، الموقف الجاد لا يعدو كونه (ميثاق شرف دولي) و(وحدة إسلامية متراصة معتصمة بحبل الله المتين) إزاء هذه القضية العقدية ومثيلاتها، لن نلجم هؤلاء المتعصبين بالآلية المعاصرة، وستستمر جراحات أمتنا تنزف من غير توقف، ولن يكبحها صراخ وعويل وتخريب العامة والمتحمسين من الشعوب المسلمة، مهما كانت نواياهم صادقة، وستكون الأمة مع جراحاتها المستمرة، بمنزلة (من يهن يسهل الهوان عليه... ما لجرح بميت إيلام)... ودمتم بخير.
dr-al-jwair@hotmail.com