لا يخفى للمتتبع المنهجية التي تنطلق منها التوعية الإسلامية في الحج والعمرة وما فيها من ترسيخ للمبادئ وتأصيل للاعتقاد حيث يبنى العمل التوعوي على أسس متينة وقواعد ثابتة في المنهجية التي يسير عليها هذا العمل ومصدره كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وهدي خلفائه الراشدين المهديين دون الالتفات إلى النزعات المنحرفة والمبتدعات الملفقة والأهواء والآراء الشاذة الخارجة عن الصراط المستقيم ولذلك فإن العمل التوعوي الدعوي مستقر أمان النفوس وبلاسم شفاء للقلوب فحينما يوجهوا إلى المستهدفين من حجاج بيت الله والوافدين من ضيوف بيت الله أياً كانت شرائحهم وأوطانهم وأجناسهم نجدهم يتقبلون ذلك بقلوب ملؤها الفرح بفضل الله ويحصل لهم من الإقناع والإشباع بما هم متعطشون إليه ولا يمكن وصف هذه النفوس التي جاءت إلى بيت الله وتجشمت المصاعب وتعبت فيها الأبدان والمناكب إلا نفوس مطمئنة راغبة بما عند الله ويكتنفها سعادة غامرة وبر أمان. ولذلك نجد النفوس تتقبل من الداعي إلى الخير بأنفس أريحية وشفافية منفتحة تستلهم منه القيم النبيلة والأخلاق الجميلة التي تنعكس صورتها على مجرى حياته وترسم في داخله المبادئ المؤصلة التي يتألف منها.
ولذا فإن العمل التوعوي في هذه المناسبات العظيمة ضرورة ملحة يتعرضها واقع الأمة وما تعيشه من بعد عن المنهج الصحيح المؤصل ولا بد أيضا أن يكون له أجندة تحتضن العمل وتقويه تجعله على مستوى رسمي وشعبي ودولي. وعالمية الإسلام تفرض على الجميع بل ولا يعذر أي فرد أن يقوم بهذا العمل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فإن المسلمين بحاجة إلى التوعية الدائمة من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعليم والتوجيه والإرشاد, ولقد دأبت حكومة خادم الحرمين في السابق وفي الحاضر إلى احتضان العمل التوعوي وجعلته منارة إشعاع ينطلق من منابعه ينير الطريق ويهدي الضال ويقوم المعوج, ويتمثل ذلك في إنشاء الوزارات المخصصة والهيئات والمراكز الدعوية وفي قمة الهرم تتصدر وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد هذا العمل التوعوي العظيم من منطلق الاختصاص وتبذل قصارى جهدها بوضع الإمكانات المتاحة وطاقم عمل لا يكل ولا يمل ليل نهار على مدار العام ويضاعف هذا في المواسم مع رمضان والحج ولقد أفرزت هذه المقدرات عملا توعويا كبيرا. ويتمثل النموذج الأعظم في مواسم الحج الذي له هيئة ترعاه وتبذل الجهد المتفاني في رفع مستواه وهي الأمانه العامة للتوعية الإسلامية في الحج والعمرة والزيارة التي ما فتأت تقوم بعظيم المهمة في العمل التوعوي في موسم الحج والعمرة على مدار العام ولا يخفى ما تقوم به الأمانة من جهد متواصل وعمل نبيل ومنهجية سلسة ومناشط توعوية فهي أمانة تحملت ما أنيط بها من أمانة ولقد كان لي شرف المشاركة في التوعية الإسلامية في الحج والعمرة فوجدت العمل الدؤوب والجهد المتفاني من قبل القائمين والمشرفين بل وجدت التكامل في العمل وبذل المستطاع بروح وشفافية وانطلاق بل ورأيت من طاقم العمل من إخوتنا الدعاة ما يثلج الصدور ويفتح القلوب من الإخلاص والحماس في هذا العمل {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، وما يذكر ومن تجربتي أن الكثير من الوافدين للحج والزائرين يجدون في هؤلاء الدعاة ملاذاً أماناً لهم وقدوات يأخذون منهم ويتقبلون ويبرمجون حياتهم على توجيهاتهم فإن هؤلاء القادمين إلى البلاد المقدسة يجدون غرابة في البعد عن أوطانهم ويحصل لهم من العوائق ما لا يستطيعون به الوصول إلى البيت الحرام بل ينتظرون السنين الطوال وينتظرون فقد يدركهم الأجل فلا يحصل لهم ما أرادوه من الحج والعمرة.
وأذكر بما حصل أن وافداً من المغرب العربي طال انتظار زوجته للحصول على تأشيرة الحج في بلده فلما خرج اسمه مع زوجته بعد طول انتظار ذهب مع حملة من حملات بلاده فلما وصلوا المدينة المنورة قدر الله على زوجته المرض فدخلت المستشفى والنية في نفسها الحج وقدر الله عليها الأجل وتوفيت وبقي زوجها مع الحملة كئيبا حزينا لا يدري ما يعمل لها فوصلوا مكة وصادفت أنا هذا الرجل بأحد مراكزنا في التوعية فدخل علي مهموما مغموما حزينا وآثار الحزن بادية عليه ماذا يعمل وكنت أنا المناوب فلاطفته بالكلام وفي الصبر والاحتساب وأبلغته أن يعتبر حجة زوجه بلغت وفضل الله واسع وقال لي أريد أعمل لها عملا وعندي القدرة الماليه فقلت وفاءً لها أن تنيب عنها من أردت فكلمنا إنساناً موثوقا عنده الاستعداد بالنيابة واتفق معه. ثم بدت ملامحه تتغير سروراً وفرحاً وخرج من عندنا ترف أسارير وجهه. هذه نموذج ما يقوم به الدعاة من العمل في هذا المجال وربما تكون القصص لا يتسع المجال لذكرها.
وهذه من النعم التي أسداها الله علينا المنعم سبحانه وتعالى في المجال التوعوي وأسأل الله أن يجزي إخواننا الدعاة والقائمين على هذا المرفق خير الجزاء والله ولي التوفيق.
عنيزة - مشارك في التوعية الإسلامية في الحج