مشكلتي تتلخص فيما يلي:
لا جديد؛ فقد استقر بنا الحال على روتين ممل جداً؛ أصبحت أرغب في قضاء أطول وقت ممكن في النوم، وبين أحلامي التي حينما أستيقظ أودعها بحرارة، على أمل أن ألاقيها الليلة المقبلة؛ فالواقع لا يعني لي شيئاً؛ فقد فقدت الرغبة في التواصل مع من حولي ما عدا أهلي وإخوتي وأخواتي الذين أقضي معهم أجمل الأوقات.
مع ابتعاد إخواني وانصرافهم مع أصدقائهم السيئين نراهم غافلين عن طلباتنا لا يخرجون معنا ولا يحبون حتى إيصالنا إلى مشاويرنا المهمة، بالكاد يوصلونا إلى المستشفى حينما يتعب أحد منا. مشاوير الوالد لا يقضونها له؛ إذ يتظاهرون بالنوم حينما يطلب منهم إيصاله إلى مكان ما؛ فهو مريض بالسكر وأحياناً يضطر إلى السياقة لإنهاء مشاغله، ووالدتي لديها متاعب صحية.
إنني قلقة على حالهم فإخوتي لا يتحملون المسؤولية ولا أجد منهم اهتماماً أو حتى سؤالاً؛ فالجميع منشغلون بأمورهم، أضف إلى ذلك أنني أريد إخراجهم من متاهات الانحراف.
أنا ضائعة أو بالأحرى جميعنا ضائعون.. في ظل هذه الظروف يزداد وقت الفراغ؛ فحاولت إيجاد وظيفة لكن ما من جدوى.. لا أخفيك سراً أن إخوتي تعليمهم متوسط ولا يعملون بل يأخذون مصروفهم من الوالد.. اهتمامهم ينصب فقط على السيارة ومصروف الجيب ودفع فاتورة الموبايل، أضف إلى ذلك تمييز الوالد في المعاملة بين البنات والأولاد، لكن هذا لا يهمني؛ فأكثر ما يشغلني هو خوفي على إخوتي. هذه مشكلتي الأولى حينما تجد لها حلاً عملياً تأكد أني سأسرد لك أهم مشكلة في حياتي فيما بعد. أتمنى أن ألقى منك اهتماماً حول نقاط مشكلتي، والرد عليّ سريعاً... أنا في انتظار ردك.
ولك سائلتي الفاضلة الرد:
مشكلتك تصنف ضمن ما يعرف بالمشكلات المركبة؛ فهي مجموعة من المشكلات انصهرت في بوتقة، وكل منها تعمل على إذكاء لهيب الآخر؛ لذا يستحسن أن تحل كل مشكلة على حدة، وأتمنى أن تراسليني بمشكلتك الأهم؛ فربما كانت منبعاً ومصدراً لما تعانين منه من ملل وركود أثر في طريقة تعاملك مع الجميع، والإنسان متى ما بدأت جيوش الملل تتسرب إلى حياته وطنت في العقول التشاؤم واستنزفت طاقته. إذن أختي أعيدي ترتيب حياتك ولا تربطي سعادتك بالوظيفة؛ فليس بالوظيفة ينجح الإنسان ويسعد. تحركي يا عبير فيما يقع تحت دائرة تحكمك. نظمي وقتك بين الهواية والترفيه والعلاقات الاجتماعية وتطوير الذات، وثقي بأن أحلامك ستصبح حقيقية - بإذن الله - إذا كتبتها ووضعت خطة للوصول إليها؛ وذلك بحسب الإمكانات والقدرات.
أختي.. إن من أهم مشكلاتنا التعلق بالمفقود وعدم الإحساس وتقدير الموجود. أنعم الله عليك بنعم قد سلبها من الكثير؛ فانتبهي - وفقك الله -. أعجبني في شخصيتك عمق الإحساس بالمسؤولية وشمولية الاهتمام، وهذا لا شك دلالة عقل ونضج.
أختي الكريمة.. إن من أجلّ نعم الله علينا أن هدانا إلى هذا الدين العظيم، وما فيه من أبجديات وقواعد تضمن لنا السعادة وتكفل لنا العيش السعيد. إن ما قرر لنا الشرع هو العمل بحدود الطاقة والتحرك بحسب القدرة؛ فنبيّ الله نوح دعا ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولم يكتب الله أن يهتدي ابنه. وحبيبنا محمد سيد البشر وتاج الدعاة مات اثنان من أعمامه على الكفر، وهذا لا يقدح فيهما ولا يقلل أبداً من مكانتهما؛ فقضية إخوانك وقلقك وخوفك عليهم أمر يحسب لك؛ فهو مؤشر لنضج الشخصية؛ فعليك بنصحهم بالحسنى وعلى انفراد، إما تلميحاً أو تصريحاً، بأسلوب رقيق عذب وبقلب متعاطف محب. افعلي ما بوسعك واجتهدي، ولكن لا تحملي الكرة الأرضية على رأسك، ولا يفترسك الهمّ بأنيابه الموجعة، وما أظنه أن إخوانك فيهم خير كبير، وهم كغيرهم من الشباب لربما انساقوا مع عنفوان المرحلة وطبيعتها المتمردة؛ لذا لا تستعجلي وتحمّلي الأمور ما لا تحتمل. كما أنصحك كذلك بحسن التعامل وطيب الحديث مع الجميع، ولا تتقمّصي دور المحقق أو ضابط الشرطة بملاحقاتهم وتقصي إخبارهم أو إحراجهم. اقتربي منهم أكثر، وتذكري أن أقصر دروب التأثير في الآخرين هو درب الحب والودّ والكلمة الطيبة والتعاطف مع المخطي. وبالنسبة لوالدك فأولاً احمدي الله على وجوده في حياتك؛ فهو الحصن الحصين - بعد حفظ الله - وهو الملاذ - بعد العزيز -، ويظل النقص في الجملة من طبع البشر، أما تمييزه في المعاملة بين الأولاد والبنات فهذا يحتاج إلى تفصيل ومعرفة ماهية ذلك التفضيل، وعموماً معاملة الرجل يقيناً غير الأنثى؛ فقد يكون والدك يتصرف التصرف الصحيح، وإن لم يرضك، وأخيراً عليك بالصبر وتوقع الخير... أسأل الله أن يسعدك في الدارين.
ومضة قلم: يوجد دائماً من هو أشقى منك، فابتسم!