جدة - صالح الخزمري:
رئيس رؤساء التحرير لقب استحقه الراحل محمد صلاح الدين الدندراوي بجدارة من خلال الشهادات التي قُدّمت في حقه ليلة الوفاء بنادي جدة الأدبي.
كانت الشهادات على المهنية العالية التي كان يتمتع بها الراحل، والخُلق الجمّ، بل إنه يُعدّ مدرسة خرجت أجيالاً، منهم عدد من رؤساء تحرير الصحف. د. هاشم عبده هاشم، رئيس تحرير جريدة عكاظ، أحد الذين عملوا معه في جريدة المدينة في بداياته متدرباً منذ ما ينيف على أربعين عاماً.
قال هاشم: محمد صلاح الدين بوصفه صحفياً محترفاً هو الذي علمنا ماذا تعني كلمة صحافة، وماذا يعني القارئ، وماذا يعني الهمّ الاجتماعي، وماذا ينبغي على الصحيفة أن تقدمه للقارئ في اليوم التالي. علمنا كيف نكتب الخبر والتحقيق ومقدمة التحقيق وعنوانه، وكيف نكتب المقال الصحفي وليس المقال الأدبي أو الخاطرة.. علمنا كيف نبني المصادر ونحافظ عليها، وكيف نخاطب القارئ ونتجنب استفزازه، وفتح أذهاننا إلى آفاق كثيرة في الجانب السياسي، علمنا كيف لا نرفض الآخر، وكيف نشكّل رأياً خاصاً. كان مثقفاً حقاً، وصاحب رؤية، رغم أنه لم يكن خريج كلية أو معهد، لم يكن العمل الصحفي لديه مجرد مهنة فقط، وإنما عملٌ صحفيٌّ يدعمه زخم ثقافي ورؤية واضحة لما يريد أن يوصله للقارئ. تبنى عناصر شابة، كنت منهم، وأحمد محمد محمود وسباعي عثمان.. وقد أوكل إليّ الشؤون المحلية والرياضية. لم يدخل كلية أو معهداً، لكنه كان مدرسة حقاً؛ فقد علمنا كيف نكتب وماذا نكتب ونحن صغار، ومنحنا الثقة والدعم الأبوي، وتركنا نجتهد في تقديم قوالب صحفية مختلفة، تركنا نتعلم دون أن نشعر بأنه يعلمنا، علمنا كيف نقدم نموذجاً يستشعر مسؤوليته. صلاح الدين هو الإداري المنظّم والحازم، يشعرك عندما تعمل معه بأنك تعمل في مؤسسة وتحت ظل فكر غير متسلط، قوي، يدير عمله بحنكة. هيكل العمل الصحفي، وأعطانا كيف يمكن أن تُمارَس المسؤولية بعيداً عن رقابته.
كان يعمل ساعات طويلة في الصحيفة، وكان عندما يكتب تشعر بأنه يستنزف، وبأنه يكتب بقطرة دمه. محمد صلاح الدين هو هذه الطاقة وهذا البناء الشامخ الذي أسس جيلاً قائماً على الإيمان بهذه المهنة، والتضحية من أجلها، وقد أعطى العملية الصحفية كل الأبعاد، وكانت جريدة المدينة في تلك الفترة مدرسة تخرج منها الكثير، وأنا أعتز أني أحدهم. ولعلي أشير إلى نقطتين في حياته: هو أول من أسس لثقافة إعلانية على أسس علمية في بلادنا، وقد أسس مؤسستين للإعلان، وأيضاً هو مؤسس حركة النشر العلمي في بلادنا؛ فهو صحفي من الطراز الأول، وخبير إعلاني، وناشر، وهو أول من أسس مكاتب داخلية وخارجية لصحيفة المدينة.
الكاتب المعروف عبد الله خياط تحدث عن مكانة الراحل وخبرته الصحفية الطويلة. فيما أشاد د. سهيل قاضي، رئيس نادي مكة الأدبي السابق، باهتمامه بالقضية الفلسطينية وكتابته عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وقال إنه كان على صلة بأطياف عديدة في الأمة الإسلامية، وأشاد بسعيه الدائم للإصلاح، وقال إنه كان يفرض على القارئ احترامه.
وقال زين الدين الركابي في مشاركة بعثها عن الراحل: كان فقيدنا إنساناً بالمعنى الموضوعي للتعبير، نعني به ذلك الذي تتحقق فيه معاني الإنسانية ومضامينها في ذاته وفي علاقاته بالناس. ثم قدم الركابي نماذج من إنسانيته وتدينه.
محمد المختار الفال في مداخلته قال: تعلمت منه دون أن يعلمني، يجمع خصالاً عديدة، يجمع الكبرياء والأنفة والتواضع الجم، يتواضع للصغير أكثر مما ينحني للكبير، تعلمت منه أن الإنسان بقيمه وأخلاقه. فيما أكد حسين با فقيه أن عمله مع الراحل في مجلة الحج والعمرة أكسبه الكثير، وأرشده إلى مجموعة كثيرة من القيم التي يعتز بها، ومن ذلك حب العمل. يقول با فقيه: كنت أجده قبلي في مكتبه صباحاً، وأغادر وهو في مكتبه، وكان - رحمه الله - لا يتعرض لأحد بسوء، ويُعَدّ من أكثر المنفتحين.
تجدر الإشارة إلى أن النادي سيقوم بطباعة أعمال الراحل محمد صلاح الدين الدندراوي.