|
في هذه الأيام تستعد النفوس وتحن القلوب إلى حج بيت الله الحرام، فقد كان من دعاء إبراهيم - عليه السلام - الذي طلب من ربه كما أخبر الله عنه بقوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (37) سورة إبراهيم، فاستجاب الله لدعاء خليله إبراهيم - عليه السلام - وهذا تحقيق لأمر ربه حيث أمره بقوله - جل ذكره -: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} الآية (27) سورة الحج.
فالناس من ذلك النداء وهم يأتون من كل فج عميق قاصدين البيت الحرام عن شوق ومحبة ورغبة، حتى كأن المسرع إلى هذا البيت هو الفؤاد لا الجسد لأن كلمة: {تَهْوِي} تدل على المحبة والشوق في السرعة للوصول إلى البيت الحرام، فقلوب العباد في كل مكان تميل وتحن إلى رؤية البيت الحرام، وأصل كلمة {تَهْوِي} كما يقول الأصمعي: من هَوى يَهوى إذا سقط من علو إلى أسفل، فكأن قاصد بيت الله الحرام يرمي بنفسه شوقاً إليه ومحبة فيه.
لقد جعل الله في الحج إلى بيته الحرام سراً عجيباً جاذباً للقلوب فهي تحن وتشتاق إليه بل كلما أكثر العبد التردد إلى المسجد الحرام ازداد شوقه وعظم ولَعُه وتَوقُه، وهذا سر إضافة البيت الحرام إلى نفسه المقدسة في قوله - تعالى -: {عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (37) سورة إبراهيم، وقوله - جل ذكره -: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} (26) سورة الحج، وهي إضافة تشريف وتفضيل وتكريم حتى تعظم محبة البيت في قلوب العباد، وتنقلب إليه الأفئدة من كل جانب، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه لكونه بيت الرب - عز وجل - للطائفين والعاكفين عنده.
ونتذكر من خلال هذا السياق فضل الله - تعالى - ونعمته علينا في هذه البلاد المباركة حيث شرفها - سبحانه - واختصها بخدمة الحرمين الشريفين، وهذا شرف لا يدانيه شرف، وجعل قلوب الناس تتعلق بهذه البلاد وتحن إليها، وتسعى بكل جهد وحب للوصول إليها، وهذا يستوجب علينا رعاية هذا الفضل، وحراسة هذه النعمة من الزوال والتغيير أو تكدير صفو حياة أهلها أو زعزعة أمنهم، أو إلقاء الرعب في قلوبهم، ومن أراد بهذه البلاد سوءاً أو فتنة فإن الله - تعالى - يُوقعه في سوء عمله، ويكشف تدبيره للناس قبل وقوعه ليرجع خائباً خاسراً {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (43) سورة فاطر، كما كشف الله - تعالى - تلك التدابير والمخططات المنكرة لأصحاب الفكر الضال الذين يسعون في الأرض فساداً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، حيث كشف الله - تعالى - أمرهم على يد رجال الأمن الأماجد، تلك العيون الساهرة والعقول الواعية لحماية المجتمع وحفظ أمن البلاد من عبث العابثين، وهذا من فضل الله - تعالى - وتوفيقه أن أبطل كيدهم وكشف أمرهم.
وجميع من يعيش على أرض هذا الوطن المبارك مسؤول عن أمنه واستقراره والحفاظ على مقدراته وخيراته لأن الله - تعالى - أمر بالتعاون الذي يحفظ الأمن ويحقق المصالح للعباد ويدرأ عنهم المفاسد والشرور والأخطار حيث قال - سبحانه -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِِ} (2) سورة المائدة.
والأمن من أعظم أنواع النعم والخيرات المعينة على فعل البر وتحقيق التقوى، ولا يتم شيء من مصالح الدنيا والدين إلا بالأمن... والله ولي التوفيق.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض