لا شك أن الوفاء من شيم الكرام، والخيانة والغدر والجحود ونقض العهود من طبائع اللئام، وأوردت مفردات الخيانة والغدر والجحود والنقض هنا لقربها من المعاني المعاكسة لمفردة الوفاء موضوع المقال.
الوفاء مفردة جميلة يكثر خطابها ومن يحاولون التدثر بها وإسباغ فعل الوفاء الجميل على أنفسهم حتى ولو كانوا أبعد الناس عن سلوك الأوفياء ومن باب أن كلا يدعي وصلا بوفاء. لو بحثت عن معنى الوفاء فلن تعثر على معنى واحد فقط بل ستجد مئات المعاني لهذه القيمة الإنسانية العالية، فقد يفسر الوفاء بأنه رد الدين أو الحفاظ على الود والقول والفعل والعهود والمواثيق، وبمعنى آخر وفاؤك هو حفاظك على كل ما يربطك بغيرك ليس في وقت نشاطهم وعافيتهم ولكن حتى في مرضهم وبعد مماتهم ودون أن تقرن هذا الارتباط الدائم بوقت محدد أو بمصلحة زائلة.
ودعونا نطرح سؤالا ملحا تفرضه متغيرات عصرنا الذي توشح بقيم المادة فاختفت أو كادت تختفي كل القيم الروحية التي عمرت دنيا الأجيال السابقة فهل عز الوفاء في هذا الزمن فصار نادرا؟
تداول الناس قصة حقيقية لأسرة في بدايات الطفرة في نهايات السبعينيات الميلادية فعندما كانت الأسرة تهم بالرحيل من المنزل القديم الذي احتضنهم سنوات طويلة عاشوا فيه أجمل الذكريات وسط حواري الرياض القديمة وبين الجيران الذين يعدون بمثابة الأهل بكى الجميع أمام منزلهم القديم وفاء لكل الصور الرائعة التي تختزنها ذاكرة كل واحد منهم ! وليس أقل منهم صاحب السيارة القديمة الذي ذهب بها إلى المعارض ليبيعها وما أن سلم مفتاحها للمشتري حتى انحدرت على خده دمعة ساخنة تعبر عن ألم الفراق وظل يرقبها وهو منصرف يتفحص هيكلها المتآكل وعجلاتها المهترئة وفاء للذكرى الجميلة والأيام الحلوة التي كانت فيها هذه السيارة وسيلته الوحيدة للتنقل بين مواقع الربع والأحباب. هؤلاء لا يبذلون وفاءهم لتلك الجمادات وإنما للذكريات الحلوة المرتبطة بالمكان ليثبتوا أن العيب لا يكمن في المكان ولا الزمان وإنما في الإنسان وثقافته وطريقة تفكيره وسلوكه.
نمعن اليوم النظر حولنا لنجيب على السؤال، ومن جهتي أجزم بأن الدنيا لا تخلو من أهل الوفاء وفي كل الأزمنة لأنها لو خلت لانقلبت لكن ثمة قصص تعبر عن حالات عقوق وجحود ونكران مفزعة، يقول ابن أحد أعلام هذه البلاد الكبار ومن كان مجلسه اليومي يكتظ بالجموع قبل مرضه لقد عاش والدي قبل وفاته وفي أواخر أيامه عشر سنوات عجاف هجره فيها الكثيرون إلا القلة التي بقيت على وفائها !
كنت استمع لمقابلة إذاعية حين وجه المذيع سؤالا لضيفه النجم عن دور أحد الأساتذة في بروزه فرد عليه ردا يبعث على الاشمئزاز قال له يا أخي لا دور لأحد فيما وصلت إليه فبعرقي وتعبي وجهدي كونت نفسي، وموهبتي وقدراتي هي من أوصلني، هذا المسكين وأمثاله كثير لا يدري أن موهبته وحدها لا تنفع في هذا الزمن الفقير قيميا لطغيان المادة على كل شيء فإذا لم تكن مسنودا وخلفك من يدفعك فلن تذهب بعيدا.
في نظري أن الوفاء نوعان، الأول وفاء بالقول وذكر أهل الفضل وساعد على ندرة هذا النوع شيوع الأنانية وحب الذات والظهور ومحاولة تهميش الآخر، والنوع الثاني وفاء الفعل بالزيارة والتفقد وساعد على ندرته انشغال الناس أو انغماسهم في ملذات الحياة.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15