لقد كان لي شرف حضور خميسية الجاسر الثقافية في الأسبوع الماضي. وهذا اللقاء طبعاً تعقده أسرة العلامة “حمد الجاسر” رحمة الله عليه، إحياءً لذكراه وللقائه الذي كان يعقده كل يوم خميس في دارة العرب التي تعنون منزله الآن. ولقد كان ضيف اللقاء الدكتور “محمد السيف” عضو هيئة حقوق الإنسان، والذي تحدث عن سوء معاملة الأطفال والجهود الحكومية والمدنية المبذولة لدينا في المملكة العربية السعودية تجاه هذه القضية الهامة والحساسة والتي ما زالت -للأسف الشديد- بحاجة إلى لمّ شتاتها وتوحيد جهودها والتنسيق بينها من أجل أن تكون إجراءات الحماية والتدخل فاعلة وفي وقتها المناسب. الدكتور السيف أبدع في تناوله لأنواع الإيذاء الذي يتعرض له الأطفال وأسبابها والجهود المبذولة والصعوبات التي تواجه بعض الجهات والاقتراحات التي قدمها من أجل تذليل ذلك. لكن من خلال المداخلات التي شارك بها مجموعة من المختصين والممارسين للعمل في مجال الطفولة وإن كانت التوجهات مختلفة لتقييم الوضع الحالي لهذه القضية الإنسانية إلا أنها جميعها تنصب في مسار واحد ألا وهو “مصلحة الأطفال” جيل المستقبل! واختيار المشرفين على الخميسية لهذه القضية اختيار موفق وتزامن مع قضية الطفلة “تالا” التي قُتلت غدراً على يد عاملتها المنزلية والتي عاشت معها لسنوات! هذه الجريمة البشعة ليست الأولى ولا الأخيرة بحق الأطفال الأبرياء! لأن هناك كثيراً من الأطفال زُهقت أرواحهم البريئة بسبب العنف الأسري، وبسبب الأخطاء الطبية، وبسبب ظروف الحمل غير الشرعي، وبسبب الاعتداءات الجنسية، وبسبب العمالة المنزلية أخيراً! ولم نلمس ذلك التفاعل والغضب الجماهيري العام مثل ما حدث لقضية “تالا”! برأيكم لماذا؟
هل لأن هذه القضية بالذات تناولها الإعلام من بدايتها، أم لأن المخاطر التي تحيط بأطفالنا أصبحت لا تطاق، وبدأت حالاتهم تزداد ولا يوجد ذلك الحراك الأمني والشرعي اللازمين للحدّ من الاستهتار بأرواح بريئة! وهذا يحتاج فعلاً إلى تحرك قوي من جميع الجهات الحكومية والمدنية، من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة التربوية المسيطرة على أساليب التنشئة الاجتماعية لدينا، وذلك عندما يعطي كثير من الآباء أنفسهم الحق في تعذيب أطفالهم لدرجة الموت! وعندما يهملون تربية أطفالهم ويتركونهم في رعاية خادمات يعانين من ضغط العمل المنزلي اليومي، ومن قلق الانفصال عن أُسرهن، ومن وحشة الغربة المؤلمة! وفي الوقت نفسه لا يتم معاملتهن المعاملة الطيبة التي تخفف من معاناتهن النفسية! وبعدها نلومهن لو أندفعن للقيام بممارسات وحشية ضدهم!
إننا ما زلنا نعاني من القوانين الواضحة والحاسمة للحدّ من تعرض الأطفال للإيذاء، ونعاني من توارث إيذائهم خلال التربية القامعة لهم، ونعاني من تأخر نظام حمايتهم لأنه ما زال يدُرس منذ سنوات! وما زلنا نعاني.. ونعاني، والله المستعان!!
moudy_z@hotmail.com - moudyahrani@ تويترhttp://www.facebook.com/groups/381099648591625/- @moudyzahrani