في حديث هاتفي مع الصديق عبدالله الرواف، دار معظمه حول تجربته الشخصية في اكتشاف أهمية التهيئة المعمارية لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان يحثني أن اكتب حول اهمية تهيئة المدن والمنازل السعودية لتناسب المقعدين وكبار السن، بحيث لا يحتاجون مساعدة تشعرهم بالعجز عند تجولهم كما نصت عليه حقوق الانسان، هذه التهيئة تكون على هيئة مواصفات ملزمة ضمن كود البناء السعودي، بحيث لا يفسح مبنى دون وجود تلك التهيئة وخصوصا المباني العامة، وانا اعلم ان هناك جهود تسير في هذا الاتجاه لدى وزارة البلديات وكذلك بعض الامانات والبلديات، ويشكر كل من يسعى فيها ويدعمها، ولكن هذا ليس موضوع مقالي اليوم،فموضوعي اشمل من نقاش التهيئة لذوي الاحتياجات الخاصة. هناك حاجة لتهيئة المدن والمنازل السعودية لتكون صديقة للإنسان بصورة عامة.

المدن والمنازل السعودية في بنيتها المعمارية والتنفيذية باتت تخالف حقوقاً للإنسان منصوص عليها في اتفاقيات حقوق الانسان الدولية، فالإنسان له حق التجول دون اعاقة وله حق الأمن والسلامة وله حق التمتع بالمرافق والجمال وله حق العيش في وسط بيئي سليم، نعم هي لا تخالف تلك الحقوق مع سبق الاصرار والترصد، ولكنها تخالفها بإهمال ادراكها اواهمال العناية بها، فالشوارع في معظم المدن السعودية تفتقر للعناية بالصيانة السليمة، مما يجعلها عاملاً من عوامل تهديد سلامة المشاة والركاب، فالأرصفة محفرة وبلاطها مقبعة ومسارات الشوارع تفتقر للتخطيط المروري السليم الذي يفصل بينها، وخصوصاَ عند التقاطعات. فالإرشاد المروي على الاسفلت شبه معدوم، ووقوف السيارات في الشوارع والساحات مسرحية هزلية يعززها ويشجعها غياب التنظيم والرقابة،

معظم البلديات السعودية غير قادرة على جعل مدنها بيئة سليمة، فليس هناك تنظيم ملزم للتعامل مع النفايات، كل يقذف ما لديه في الشارع وكيفما يرغب، وأن وجد هناك حاوية تجدها وقد اتخمت حتى باتت القمامة حولها أكثر مما فيها، وعندما تأتي سيارة جمعها ترى سيارة تثير الاشمئزاز، ويكون هذا مؤلم عندما يقدر لك ان تسير بالطريق خلف تلك السيارة، وتشعر كانسان بأن حقك ينتقص عندما يرخص لمقاول بأن يعترض طريقك بالحفر والانشاءات في الشوارع، فمفهوم السلامة لديه ان يضع امامك صبة من الاسمنت تزن طن لحماية اعماله لا حفظاً لسلامة الناس، حيث يضمن موت من يقدر له خطاء يرتكبه في عتمة ليل، وتشعر أن حقك كإنسان منتهك عندما يصر المقاول الذي يبني البيت الذي بجوارك أن يعمل من صلاة الفجر حتى منتصف الليل، فراحتك هي أخر ما يهمه اويهم البلدية التي تمنحه ذلك الحق، وعندما تريد ان تسير وتتمتع في جمال مدينتك، تجد أن البلدية قد نسيت ذلك العنصر المهم في خضم اعمالها، فالفوضى في كل شيء، ارصفة مكسرة ولوحات ارشاد محطمة وقديمة وبنايات غير متجانسة المظهر واللون ولوحات اعلانات متباينة، قديم صدئ وحديث فج الاضاءة والالوان.

المدن السعودية نمطها واحد فمنظر شارع في أي منها ينطبق عليها القول ( ترى واحدة ، فترى الكل )، اما المنازل فالحديث عنها ذا شجون، فمعظم المنازل غير امنة لمعيشة وحركة الأطفال، فأطفال كثير اصابتهم اعاقات دائمة نتيجة سقوط من بين فتحات سياج الدرج واخرين في ذمة الله بعد ان وقفت حواجز حديد النوافذ امام انقاذهم من حريق اودخان. وكثير منهم فقد اصبع اواكثر من قسوة ابواب الحديد التي تشابه ابواب القلاع المحصنة. وكثير يقال عن الفوضى في التمديدات الكهربائية والتجهيزات الصحية، مما يجعل بعض المنازل كارثة مؤجلة. قد يقال أن هذا كله مردود لسوء التنفيذ من المقاولين، ولكن من ينظم المقاولين ومن يصرح لهم ويصنفهم، معظم المقاولين المصنفين في الدرجة الممتازة ليس لديهم مهندس متخصص في السلامة العامة اوالسلامة المنزلية ناهيك عن ادارة للسلامة كما يجب. اليس هذا قصور من البلديات، اما يجب ان تهتم البلديات في كونها صديقة للإنسان، تفكر فيه بصورة تنم عن احترام وتقدير، عندما تفعل ذلك، تكون بلدياتنا تناسبنا.