التوجه الواضح في المملكة العربية السعودية إلى التوسع في تأسيس الهيئات الخدمية والإعلامية اعتراف ضمني ببيروقراطية وتعقيد النظم الإدارية داخل أروقة وزاراتنا المختلفة والإدارات الوسطى التابعة لها خاصة ذات الإيقاع اليومي السريع التي لها صلة مباشرة بتقديم الخدمات الحياتية وتسهيل حياة المواطن اليومية.. وهذا التوجه حقه التشجيع والمباركة المحفوفة بالتخوف من أن تنتقل عدوى التعقيد والتصفيد البيروقراطي بطريقة أو بأخرى إلى هذه الكيانات التنموية الجديدة سواء بانتقال القيادات الإدارية الذين عمروا في وزارات الدولة وتسربلوا بالمبالغة والتشدد بالتمسك في أطر النظام الإداري القديم والتعلق بقشوره بعيداً عن روحه حتى ولو على حساب مصلحة الوطن وتسهيل حياة المواطن علموا بذلك أو لم يعلموا، أو عن طريق سن تشاريع جديدة لا تتوافق ومشروع البوابة الوطنية للتعاملات الإلكترونية الحكومية “سعودي” الذي يسهل -بالتواصل الآلي المقنن- على المواطن والمواطنة إنهاء كثير من الإجراءات وهو في بيته، ويضمن في ذات الوقت سرعة الإنجاز من خلال المراقبة والمتابعة التقنية اللحظية، ويمكن كذلك من القياس الدقيق والصحيح يومياً لعطاء الموظف والقسم والإدارة والهيئة والإدارة والوزارة الدقيق والصحيح يومياً.
إن شرعنة الهيئات من لدن المقام السامي ومباركتها ودعمها الخطوة الأهم في مشوار العمل المؤسسي البناء ولكنها جزماً ليست الحل السحري للمشاكل المتراكمة التي تعاني منها مؤسساتنا الحكومية، والتي يتحمل واضعوا النظام وحراسه جزءاً من المسؤولية المباشرة عنها، ويبقى على الجيل الجديد الذي يتطلع المواطن أن يشارك بفاعلية في تكوين اللبنات العملية الأولى في هذه الهيئات، تبقى عليه مسؤولية صياغة الآليات النظامية التي تسهل الإنجاز وتحقق الانسيابية في العمل وتضمن سهولة المتابعة والمراقبة والمحاسبة وتقطع دابر الفساد المالي والإداري وتقلل نسبة البطالة المقنعة التي تعج بها مكاتب دوائرنا الحكومية!.
هذا هو المنتظر.. ولكن المخيف الذي يئد التفاؤل في مهده تجاربنا السابقة داخل هيئات الدولة المختلفة سواء القديم منها أو الحديث العام والخاص، إذ إنها لم تستطع رغم جدتها وحداثة عهد جلها وعدم خضوعها لكثير من بنود النظام المقيد للحركة التجديدية المطلوبة اليوم، بصدق لم تستطع أن تصبح أكثر مرونة وأسهل إجراءات وأيسر تعاملاً من غيرها، والمواطن والمصلحة العامة والإدارات العليا في الدولة التي ترفع لها الشكوى بعد الله هم من يدفع الثمن.
لا أريد أن أضرب أمثلة للهيئات التي صارت عبئاً جديداً على الهيكلة البيروقراطية في هذا الجزء من الوطن أو ذاك ولكن ما أتمناه مثل غيري من أبناء هذا الوطن هو سرعة تفعيل هذه الهيئات سواء ما يتعلق منها بالنقل أو الإعلام أو التطوير المناطقي وكذا التوسع في تأسيس هيئات ذات بعد إستراتيجي وطني سواء ما كان ذا صلة بصحة المواطن أو استقراره الوظيفي والأسري الآني والمستقبلي أو سفره وترحاله.
إن جهود الدولة حفظها الله في المراقبة والمتابعة وحرصها على تحقيق النزاهة والقضاء على مواطن الفساد جعلت البعض من المسؤولين الذين يفتقدون الثقة ولا يملكون الجرأة في اتخاذ القرار يحجمون عن البت في مطالب المواطنين ويؤجلون النظر فيها ويعقدون ويتشددون بشكل ممجوج وغير مقبول حرصاً منهم على السلامة التي بها يضمنون البقاء في كراسيهم التي طابعها الدوران المادي الملموس والمعنوي المحسوس، وهذا الصنف من المسؤولين تحميه اللوائح ويتدرع بالقرارات الوزارية القديم منها والحديث وللأسف الشديد ولكن سيعجز عن الاحتماء بمواد النظام في ظل وجود هيئات عامة مؤسسة على أسس تقنية حديثة وبنود علمية مدروسة ومقننة وواعدة بإذن الله.
إن هذا التجاذب بين التفاؤل القائم على ما هو معروف من حال الهيئات عالمياً والتشاؤم المتكئ على واقع ما سبق في بلادي من كيانات تحمل هذه الصفة.. هذا التجاذب سينصفه واقعنا غداً بمشيئة الله تعالى، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.