كلما جاءت إجازة ولو لأربعة أيام يهرب أهل الرياض جماعات وزرافات إلى أي مكان، ولعل الاتجاه شرقاً هو أقصر الطرق وأيسرها، ولكن هذا الرحيل الجماعي يجعل أهل الدمام يتصرفون بسرعة، إما بترك مدينتهم الوادعة، أو لزوم منازلهم حتى يغادر هؤلاء. العجيب أنه حتى بعض أهل الرياض ونجد عموماً، ممن أقام في المنطقة الشرقية لبضع سنوات بدأ يضيق ذرعاً بأهل الرياض خلال العطل القصيرة، وكأنما اتخذت طبائعهم شكلاً جديداً، أكثر تحضراً وثقافة. فما الذي يحدث؟ هل هي البيئة التي تشكل طباعهم؟ هل البحر يجعل من طباعهم أكثر رقة وطراوة، عما هو لدى أبناء الصحراء؟ أم أن الأمر برمته دعابة ضد أهل الرياض؟.
ما يثير حقاً، هو ما الذي يجعلهم يستلمون الطريق السريع تجاه الشرق، حتى يتحول في الإجازات القصيرة، إلى ما يشبه الطريق السريع داخل مدينة، من شدة ازدحامه؟ ماذا هناك في الدمام، ومدن الشرقية الأخرى، من خدمات سياحية تجعلهم يهرعون إليها؟ لنتفق أنها أسهل وأقرب الأماكن التي يمكن الذهاب إليها دون الارتباط بحجوزات التذاكر والفنادق وما شابه، ولكن هل في مدن الشرقية مغريات للاستجمام السياحي؟ لا أعتقد، فلا يوجد شواطئ نظيفة وجاهزة الخدمات للسياح، ولا منتجعات سياحية فاخرة ومناسبة الثمن، ولا مدن ترفيهية متميزة، ولا معارض، ولا متاحف ومواقع أثرية، ولا دور سينما، بل إن أوقات الزحام تجد معظم الشقق المفروشة المتواضعة قد ألصقت على أبوابها: لا يوجد شقق شاغرة!
إذن لماذا يسبب أهل الرياض كل ذلك الزحام في تلك المدن الوادعة المطمئنة؟ ما الذي يغريهم للسفر هناك؟ هل هي محطة، مثلاً، للسفر منها إلى خارج البلاد، إما إلى البحرين أو دبي أو الدوحة أو الكويت؟ أم أنها بالفعل منطقة جذب سياحي غامض لم ندركه بعد؟.
أحياناً أفكر، لو كانت بلادنا متطورة سياحياً، ومجهزة بنقل عام مريح وآمن بين المدن، كالتنقل بواسطة القطارات، أي ثروات بالمليارات سينفقها هؤلاء السياح داخل الوطن! لا شك أنها تشكل أرقاماً كبيرة، فرقم 36 مليار ريال ينفقها السعوديون سنوياً على السياحة هو رقم مشجع جداً على تطوير قطاع السياحة والآثار في الداخل، خاصة إذا علمنا أن 80% منها يذهب إلى سياحة الخارج.
يختصر كثير من السعوديين فكرة السياحة في الإجابة عن سؤال: أين تذهب هذا المساء؟ وهو بلا شك سؤال سهل جداً، لأنه لا يحتمل أكثر من إجابتين: إما إلى المراكز التجارية، أو إلى المطاعم، بالنسبة للعائلات. أو إلى الاستراحات الخاصة أو إلى مقاهي المعسل على أطراف المدن بالنسبة للشباب.
قد نتفق على أن معظم مدننا لا تحظى بطقس مناسب خلال الصيف، هذا صحيح، ولكن ماذا عن بقية الفصول؟ على سبيل المثال هذه الأيام الخريفية الرائعة باعتدال مناخها، لو صحبها أماكن سياحية جميلة، ألن تشجع معظمنا على الاستمتاع داخل البلاد؟ أجزم أن نعم.
وفي الوقت ذاته، أجزم أيضاً، أن هناك من يقول حتى لو لم تكن هناك أماكن استجمام سياحية في المنطقة الشرقية مثلاً، فنحن أهل الرياض (جايين جايين). هذا المنطق يجعل الجهات والمستثمرين في قطاعات السياحة هناك يجزمون أيضاً، أنهم سيشغلون شققهم وفنادقهم 100% حتى لو كانت بمستوى أقل من نجمة!.