أتحدث هنا؛ عن تجربة شخصية خضتها بنفسي في الأسبوع قبل الفارط عندما استلمت طريق الهدا من الطائف بعد صلاة العصر؛ دخلت في غابة من السيارات المتوقفة على الطريق، وهي تزحف بين فترة وأخرى أمتاراً قلائل، وهناك سيارات إسعاف ومرور خلفنا لا تستطيع العبور.
من المؤكد أن حادثاً على الطريق عرقل الحركة. مكثت ومعي آلاف العابرين في هذه الحالة المزرية لأكثر من ساعة، وسط زحم ودحم وضيق، وسائقون يركبون الأرصفة والجوانب، ويثيرون الأتربة والأغبرة في محاولات يائسة منهم لتحقيق تقدم، ولو لعدة أمتار انقشعت الغمة أخيراً، وفتح الطريق أمامنا فانطلقنا، لكنا ما لبثنا أن دخلنا في زحمات أخر على الطريق الدائري داخل مكة، وهكذا قطعت المسافة بين الطائف وجدة - 156كم - في أربع ساعات، كلها خلف مقود السيارة، وهي في المعتاد لا تتجاوز الساعتين، بأي حال من الأحوال.
* خضت تجربة مماثلة في عودتي من جدة إلى الطائف في اليوم التالي، فما كدت أدخل طريق الحرمين من شارع فلسطين بعد صلاة الظهر؛ حتى وجدت نفسي في بحر يموج بالسيارات والترلات والشاحنات والفناطيس، الوضع يوحي بحادث شنيع على الطريق أوقف الحركة. الكل يزحف زحف النملة وسط شمس حارقة. مكثنا على هذه الحال مدة ساعة ونصف تقريباً، ونحن نراوح المكان في مسافة لا تتجاوز الكيل والنصف بين جسر فلسطين وجسر طريق الملك عبد الله، المفاجأة كانت كبيرة للغاية، فقد اتضح لنا أنه ليس هناك حادث على طريقنا في اتجاه مكة، وإنما كل المارين حريص على إشباع نظره من مشهد حادث على الطريق المقابل في اتجاه المطار..! الحادث هناك كان كبيراً، فقد انقلبت شاحنة كبيرة على الطريق، وعلق بها عدد من السيارات، وتوقفت الحركة تماماً، وبدا أن المرور وسيارات إسعاف في الموقع تعالج الموقف، ولكن إلى متى يستمر هذا الحال..؟! إذا كنا نحن في الطريق المقابل؛ تعطلنا ساعة ونصف ونحن نتفرج على حادث الجانب المضاد؛ فما بال الذين يصطفون عشرات الكيلات في انتظار انفراج الأزمة..؟! لماذا لم يتدخل المرور في طريقنا نحن، ويمنع المتفرجون الفضوليون من التوقف، وتعطيل الحركة بهذا الشكل..؟!
* خرجت من (العجقة) هذه؛ وأنا أحمد الله على هذا الخروج، ولو بعد ساعة ونصف قضيتها في كيل ونصف. دخلت مكة المكرمة في الطريق إلى الطائف، ولكن كما في كل مرة، هناك ما يعرقل الحركة على الطريق الدائري، ليقف الجميع وينتظر الفرج الذي لا يأتي دائماً على أيدي أحد من رجال المرور، أو أمن الطرق، أو أي جهة مسؤولة في وجهها دم، وتشعر بمسئوليتها عما يجري كل يوم وكل ساعة على الطرق الطويلة بين الطائف ومكة وجدة، وحتى على شوارع هذه المدن الثلاث التي أصبحت الحركة فيها لا تطاق حقيقة.
* قضيت أربع ساعات ذهاب من الطائف إلى جدة، واحتجت إلى مثلها في العودة، حقيقة لا أدري إلى متى ونحن نعاني من سوء وبطء الحركة على الطرق التي صممت لتكون سريعة، وهي جميلة ورائعة وسريعة، ولكن الضغط عليها يكبر ويزداد، وإذا وقع حادث ولو صغيراً على طريق منها توقفت الحركة لساعات طوال؛ كما حدث قبل أشهر بين مكة وجدة، عندما تعطلت الحركة لمدة خمس ساعات كاملات..؟!
* إذا وقع حادث على طريق من هذه؛ تتوقع أن يكون المرورحاضراً وبسرعة، وكذلك سيارات الإسعاف، ولكن الذي يجري؛ أن حضور المرور وكذلك الإسعاف؛ بطيء لدرجة مملة ومخيبة.
* الأمر لا يتوقف على حضور الجهة المعنية في موقع الحادث، ولكن في قدرة هذه الجهة على إيجاد حلول سريعة لإنقاذ الموقف. كيف يظل الناس في سياراتهم وهي تغلي تحت الشمس لساعات، وفيهم كبار سن ومرضى ونساء وأطفال، ولا أحد يتصرف بسرعة؛ لرفع سيارة معطلة أو مصدومة عطلت الحركة..؟!
* أعتقد أن ظاهرة الازدحام والحوادث، وتعطيل الحركة بين المدن الثلاث هذه؛ هو في مرتبة (الأزمة) التي تتطلب من مجلس المنطقة تخصيص وقت لمناقشتها وتكوين خلية للمعالجة، ووضع حلول ترفع الضرر عن الناس. مجلس المنطقة طالب مؤخراً بفتح طريقين بين مكة وجدة، وهذا جيد، ولكن بعد كم من السنين سوف يفتح هذان الطريقان لتخفيف الحركة على الطريق الحالي..؟
* لا حديث للناس اليوم؛ إلا هذه الحوادث الشنيعة على الطرق الطويلة بين الطائف ومكة وجدة، رغم أنف ساهر وما يسهرون..! وهي تجري بشكل يومي، وتوقف الحركة بالساعات على هذه الطرق لا يتوقف، إن لم يكن بسبب حادث، فبسبب نقطة الشميسي، وكذلك نقاط تحويل سيارات الحجاج والمعتمرين على مداخل مكة، والناس يتضجرون ويتبرمون من كل ما يجري، حتى الحركة داخل هذه المدن أصبحت مملة، بسبب الاكتظاظ والازدحام، وعدم ظهور بدائل للشوارع المكتظة، أو حلول تضع مكة وجدة والطائف على خارطة المدن المقبولة في السير والحركة. أنا واحد من الذين أمضوا معظم ساعات يومي إجازة اليوم الوطني في سياراتهم في شوارع جدة..!
* جدة هي بوابة الحرمين البحرية، والطائف هي بوابة الحرمين البرية، والضغط على المدن الثلاث- مكة وجدة والطائف- قائم طوال العام بحكم الحج والعمرة والاصطياف كذلك، ومن عجائب الأمور أن تظل حركة السير بين جدة والطائف وما خلفها من مناطق- الباحة وعسير والرياض- وكذلك محافظات ومراكز عديدة، مربوطة بالدخول إلى مكة المكرمة جبراً، وهي التي يكفيها ما فيها من ضغوط سير لا تحتاج معها إلى مزيد، بينما هناك طريق آخر من خارج حدود الحرم هو طريق الخواجات، لو تم تأهيله وتصحيح مساره، لامتص هذه الحركة الضاغطة، وخاصة في المواسم التي يلاقي الناس فيها العنت في العبور بين مكة وجدة والطائف.
* إلى اللقاء..
أودعكم مع قرب إجازة عيد الأضحى المبارك لنلتقي على خير وفي خير إن شاء الله.. كل عام والجميع بخير.
H.salmi@al-jazirah.com.saAssahm1900@hotmail.com