تأليف
د. عبدالرحمن بن صالح العشماوي
قراءة:
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
(بنت الأعشى)
الأديب والشاعر الدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي امتشق منبر الأدب؛ ليظهر لنا دوره ومدى تأثيره في المجتمع وبناء الأمم، أما القلم فهو قلم الموغل في التفنن؛ فهو يرسم الصورة الأدبية، ثم يضفي عليها ظلالاً من ذوقه، ويلونها بأسلوبه الأدبي الناصع؛ فتأتي المعلومة مختالة في لبسة حريرية موشاة ومطرزة بالعقلانية والمنطقية والبرهنة.. فهو يسكب من دم قلبه عاطفة جيَّاشة مهراقة صادقة للأدب العربي الإسلامي، حباً وكرامة وعزة ورقياً. أما الدور فهو دور الأديب الذي يتفجر حيوية وصدقاً وعطاء. ولم يشأ شاعرنا الفرد الفذ أن يكون حديثه عن الأدب حديثاً عاماً شاملاً لا تخصص فيه، بل حدد ماهيته، ورسم حدوده، فأخرج لنا كتاباً جميلاً موسوماً بالعنوان الآتي: (علاقة الأدب بشخصية الأمة)، الذي جادت به مطبعة العبيكان - عمرها الله - فجاء الكتاب ليكمل صورة في تاريخ الأدب الإسلامي، ظلت مهملة على تتابع السنين وتتالي الحقب، فلله دره. فارعه أيها القارئ الكريم ذهنك؛ ليصب فيه الحقيقة الآتية: يقول - حفظه الله - ما نصه: «من هنا كانت علاقة الأدب بشخصية الأمة - كل أمة - علاقة وطيدة، لا يفصمها ما يبرز أحياناً في أدب الأمة من نماذج منحرفة عن منهجها بعيدة عن حقيقة شخصيتها المتميزة».
ثم يبيِّن لنا مدى العلاقة بين الأدب وشخصية الأمة فيقول: «لا شك أنه كلما كانت هذه العلاقة منسجمة مع عقيدة الأمة وفكرها وثقافتها كان الأدب المعبِّر عنها قوياً مؤثراً صادقاً في نقل صورتها نقلاً واضحاً، ينفض عنها غبار السنوات الطوال اللاهثة في دروب الزوال؛ ولذلك كانت لهذه العلاقة إيجابها وسلبها أثر فعّال في بناء شخصية الأمة أو هدفها؛ ما يجعل دراستها مطلباً حضارياً تستدعيه حاجة الأمة إلى دراسات جادة واعية، تكشف لنا حقائق الأمة». وحول سؤال يطرح نفسه، وهو ما الأسباب التي دفعت شاعرنا وأديبنا ليمتطي صهوة هذا الكتاب الرشيق؟ يقول في الإجابة عن هذا السؤال إن العوامل الدافعة تتلخص في عاملين:
أولهماً: ما نراه من تيارات أدبية معاصرة، جمع معظمها في سلة الحداثة، تحاول أن تقطع هذه العلاقة، وأن تبتر سياق الأدب في الأمة سعياً إلى إنشاء سباق أدبي جديد، يستمد ملامحه من ثقافة معاصرة قائمة على الرفض والتمييز.
ثانيهما: ضرورة طرح المنهج الإسلامي في الأدب طرحاً علمياً موثقاً، تبرز من خلاله وشائج الاتصال القوي بين شخصية أمتنا الإسلامية والأدب الحي النابض الذي يعبِّر عن هذه الشخصية.
ثم يمضي شاعرنا الأديب الدكتور عبدالرحمن العشماوي في حديثه العذب؛ فهو من أفذاذ الشعراء في تاريخنا السعودي الحاضر والمعاصر، وهو من الملأ الذين سبقوا زمانهم، وها هو بأنامل الثقافة، ورجاحة العقل، وشريف الموقف يشير إلى دعائم ثلاث، تقوم عليها شخصية الأمة الإسلامية، مفسراً لنا ماذا تعني لفظة الشخصية، وهي الظهور والتميُّز والارتفاع، وشخصية هذه الأمة هي كيانها المستقل المبني على إيمان بالقيم والمبادئ المستمدة من كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا، ويبرز لنا المؤلف ناحية مهمة، فحواها أن الأدب الإسلامي يرى أن الإبداع الفني ينبثق من التراث الإسلامي أصلاً، ثم يفيد ويستفيد من التجارب الحديثة، وهذا الأدب جاء نزيهاً صائباً، فهو لا يكفِّر أديباً مسلماً، بل على العكس، فالأدب الإسلامي الحق هو من أعف المصادر في إطلاق الأحكام؛ فهو يحكم على إنتاج الأديب من خلال الرؤية الإسلامية المنبثقة من التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان والخالق - عز وجل - وتنحصر هذه الرؤية في النقاط الآتية:
الأولى: عدم تكفير الأديب المسلم.
الثانية: يمكن أن نقول عن أديب مسلم منحرف التصور جائر التفكير أنه أديب غير إسلامي.
الثالثة: الأديب المسلم الملتزم سلوكاً وفكراً، الذي يكتب من خلال تصور إسلامي، هو الأديب الإسلامي الحقيقي.
الرابعة: الأديب غير المسلم الذي كتب أدباً متفقاً مع التصور الإسلامي لا يسمى أديباً إسلامياً.
الخامسة: الترابط القوي بين فكر الأديب وعقيدته وبين سلوكه وأدبه؛ حيث يندر أن ترى أديباً مسلماً منحرفاً في فكره وعقيدته ملتزماً في سلوكه وأدبه.
ثم يجمع المؤلف بين النقاط الخمس السابقة بقوله: «هنا تتضح للباحث عن الحقيقة أن مصطلح الأدب الإسلامي قائم على أسس ثابتة، لا يستمدها من فراغ، ولا يتلقفها من البشر، وإنما يستمدها من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ لذلك فهو لا يتجنى على أحد، ولا يكفر مسلماً، ولا يلقي أحكامه جزافاً، وهو يحث الأديب المسلم على الالتزام بالرؤية الإسلامية، لكنه لا يلزم أحداً بهذه الرؤية أو يسوقه إليها بالعصا، إذا لم يكن الأديب نفسه مهيأ لهذا الالتزام مقتنعاً به».
والكتاب في سرده نافع، وفي حديثه ماتع، وقد ضرب المؤلف بسهم صائب أصاب به كبد الحقيقة في توضيح مفهوم علاقة الأدب بشخصية الأمة. ومن نواحي المتعة في هذا الكتاب الاختيارات الشعرية الجميلة التي أضفت على الكتاب شيئاً كثيراً من الحيوية والحركة والحياة، واخترت لك أيها القارئ أبياتاً جميلة للشاعر الإسلامي الصحابي الجليل كعب بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه وأرضاه - يقول مترنماً ومنشداً:
قضينا من تهامة كل ريب
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت
قواطعهن دوسا أو ثقيفا
وإنا قد أتيناهم بزحف
يحيط بسور حصنهم صفوفا
رئيسهم النبي وكان صلباً
نقي القلب مصطبراً عزوفا
رشيد الأمر ذا حكم وعلم
وحلم لم يكن نزفاً حفيفا
نطيع نبينا ونطيع ربا
هو الرحمن كان بنا رؤوفا
وما أحوجنا نحن الأمة الإسلامية إلى أمثال هذه النماذج الحية الرائعة لتدافع عن كيانها برشاش البيان، وحسام الأدب، ولتغسل أطراف ثوبها من دنس الأفكار المنحرفة التي يحملها بعض أبنائها، ومثل المؤلف بقول أحدهم - عفا الله عنه -: «المجتمع العربي هو في أشد الحاجة إلى العقل حتى يخلصه من عبودية الوحي ورسالته البالية»!!
وأخيراً يتحفنا المؤلف - حفظه الله - بأسماء شعراء رفعوا لواء الشعر الإسلامي الحديث بعزة وأمانة ومصداقية، وهم كثر - والحمد لله -، منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الراحل عمر بهاء الدين الأميري - رحمه الله - والشاعر عدنان النحوي، والشاعر د. محمود مفلح، والشاعر يوسف العظمة، وغيرهم كثير.
حفظ الله المؤلف قولاً ومقاماً، وحدثاً وحديثاً.
عنوان التواصل: ص.ب 54753 - الرياض 11524 - فاكس 2177739
hanan.alsaif@hotmail.com