«إلى راضي المترفي»
كيف أنسى! فرسالتك أرجأت غيابي وضج بها نجم نهاري ومازلت سيدي أخاف عليها من اللصوص - مدينتي الحلوة - بجوادها وفائقها والشبلي ومسرح الستين كرسي، على شارع السعدون والكاظمية والأعظمية الحلوة.
وساحة التحرير..
أحملها جرحا كيف أنسى، ضفائري التي قصصتها أبان الغزو حزنا، كيف أنسى! وقد ضج النجم في نهاري لا، لم أنس عطر أريج مسائها والمسكوف، وأبو نواس وموتها..
كيف أنسى، ذكرى وطن أشتاق إليه كلما أغمضت عيني؟ الم تقرأ “ لم اشتاق إلى وطني مثل البارحة”؟ وإلى رجل خاص جداً؟ ألم تقرأ بويب، واسري بي إلى ذكراك؟ كيف أنسى، وكلما نصبوا الفخاخ لفرحه يحيلنا الوقت إلى هواتف ترن: “لا لن نموت” لأتذكر.
لم اشتاق إليه مثل بارحة فضائه الذي تمتم بالارتياب في تفجيراته الألف.
الهي..
أغواهم خير العراق، فهووا، وعراقي صراط مستقيم.
كيف أنسى! ارتياب وجه دجلة ساعة مخاض القمصان الآفلة؟ حينها ياراضي..
رحت أحول بصري في أرجاء المكان، أنادي بصوت عال: هل من احد هنا أعرفه؟ يجيئني الصوت: نعم.
انتحب، اقترب من الخطوة ثم خطوة أخرى اقترب مني، من قلب يسارع بدقاته إلى معاطف البئر أغمض عيني كي لا أرى ماذا أرى؟ ترن الهواتف بيننا، بغداد وأنا يجيئني: اخرجي من المرأب فالصوت غير واضح.
اخرج، أتوقف برهة باتجاه الوطن، أخطو ثانية نحوي في اتجاه الوطن، نحوي، باتجاهه.
أراه يتمتم بكلام لا افهمه من شدة الضجيج؛ فللموتى صراخ مسموع يا راضي قرب البئر.
أعود أدراجي إلى المرأب، أرد على الهاتف.
امكث في سؤالي لحظة واحدة لأعرف ما حصل، يزداد العواء.
ازدحمُ، بسرعة أصطدم بالأجوبة والسيارات المتفجرة: من هناك، قرب البدو..
صاح بي الفضاء وأنا أتفجر بالبكاء أدنو منها- بغدادي- التي انساق خلف زمنها بمحبة، بمشقة صبر،. يلفها ألف ذئب مؤتلف، بل أكثر..
فبقية الذئاب تنتظر دورها كيف أنسى! منذ بدأ القطيع يصطاد وأنا أنساق أكثر مذ أن صرنا طريدة للعواء وأنا أنساق أكثر منذ وجدت الذئاب رفقة في سرقتنا منذ أسسوا قطيعا جائعا وبدؤها كالجراء حتى ازدادوا هم...
ونحن ازددنا وعيا، انساق أكثر منذ ابتلعوا العراق يا راضي المترفي انساق أكثر أتذكر؛ ولأنه كبير- العراق- لا يأكلوه مرة واحدة ينهشوه مريضا قطعة قطعة أو سليما فخخوه من الوريد إلى الموت غصا ينزف، ينزف حتى هوى مبللا بالدماء تخور قوى دجلاه في قبضة الضفة الأخرى انساق أكثر منذ شهادة عثمان وموت الجسر حين طافت الأرض بطفلها منذ وقع الصبح لافظا أنفاسه منذ لاذ الخوف في بيوت التنك منذ مرض العراق ليكون أسهل أكلا. انساق أكثر. انساق والذئاب في طبق حسائنا تنمو في ارضي تتكاثر حتى نحل عراقي وازدادوا اقتتالا عليه؛ ما زلت يا راضي.. انساق جرحا مازلت بنت العراق، احمل واجبي وان شطت بي الدروب لمدن الغربة القصية لا.. لم أنس بغداد، كيف أنسى اقسم عليك أن تسأل حبري فرشاتي دروبي الضيقة أبوابي القريبة قتلي المؤقت قلقي المستيقظ.
أسأل بالله عليك ليجيبك العراق، كيف أحمله جرحا وأملا.