قرأت رسالة الأسير السعودي في العراق، والمحكوم عليه بالإعدام، عبدالله عزام القحطاني، أعدت قراءة الرسالة عدة مرات، تأملتها، وقرأت ما جاء فيها بشكل مباشر، وكذلك ما بين السطور.
القضية الأساسية أن الوطن يفقد المئات من أبنائه، بسبب الحماسة الزائدة بعد تلقي المفهوم الخاطئ للجهاد، وإن كان هناك من المشايخ الفضلاء من يحاول ويجتهد في تصحيح تلك المفاهيم التي تشربها هؤلاء الشباب ممن هم محسوبون على درجة “مشايخ” وما ذلك النداء الحارق الذي وجهه عبدالله عزام في رسالته لأسماء معينة منهم، غرروا بأبنائنا الذين يدفعون الثمن اليوم، بينما من قام بالتغرير بهم يعيش في وجاهة المشيخة ويتنقل بخطبه ما بين منابر المساجد، وشاشات الفضائيات، وحتى في أندية السيدات، ولا يعنيه مصير هؤلاء الشباب ولا يهتم لهم، ولا يقبل أن يكون مصير أحد أبنائه كمصيرهم، ولنا عظة وعبرة من موقف ذلك الشيخ الشهير عند ما اكتشف أن ابنه على حدود العراق، فلماذا لم يتركه يجاهد أليس مصيره الجنة؟ هل يكره لابنه أن يذهب إلى الجنة كما وعد الشباب الضحايا بها؟ مع ذلك يتغير هو ومن هو على نهجه حسب المعطيات السياسية دون تراجع أو ندم. وصِنفٌ آخر لا زال على نفس “رتم” التعبئة، يستغل شعبيته في حث الشباب على الجهاد في سوريا، يريد مزيدا من الضحايا وأمهات تحترق على فلذات كبدها، في دخولهم معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل! أليس هؤلاء هم الأولى بالمحاسبة؟ فكيف لنا أن نبتر هذا الفكر الذي أوصل أبناؤنا إلى أن يكونوا أسرى عند من لا يخاف ولا يرحم، وهذا الفكر مستمر يعيث بيننا، وأنا كأم أخاف على أبنائي من هذا الفكر، ومن التأثر به، فمن يتابع الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يكتب بها أهالي المعتقلين، من أمهات وآباء وأقارب وأصدقاء سيبكي حرقة على نزفهم، فلا نريد نزيفا أكثر ولا ضحايا مقبلين، يكفي ما وصلنا إليه، بسبب ذلك الفكر الذي يبثه انتهازيون لا يبحثون إلا عن الشهرة والنجومية على حساب الوطن وأبنائه.
إن ما يحصل للأسرى السعوديين في العراق هو قمة المهزلة، وأنا لا أطالب بالإفراج عنهم، فكل مذنب لا بد أن يأخذ جزاءه، شريطة أن يحصل على محاكمة عادلة، فليس بالمنطق أن تكون التهمة هي التسلل إلى العراق، والحكم -إعدام- وهذا بلا شك يحدث باسم “الإرهاب” هذا المسمى الفضفاض الذي صار مسوغا لمثل هذه الأحكام. فأي ضمير قضائي ينطق بحكم تجاوز التهمة بمراحل كثيرة؟! وأي عدالة ينطلق منها وعلى رأسه يتأرجح الميزان نحو كفة اللا عدالة؟! بل إن الأدهى والأمر أن عدد المحكوم عليهم بالإعدام في تزايد، بحسب التقرير الذي أعده الزميل عبدالله فلاح، في صحيفة الوطن يوم أمس الأول، وأن أخباراً مفزعة عن التسريع بتنفيذ هذه الأحكام، وكأنها عملية ثأر، في أحكام تجاوزت المعقول!
ثم أين آداب الالتزام باتفاقية تبادل السجناء التي تم توقيعها بين وزراء عدل البلدين منذ أكثر من ستة أشهر، ولا زال البرلمان العراقي يعرقلها لتخرج إلى حيز التنفيذ، وهذا بلا شك لأنهم على ثقة بأن السجناء العراقيين في السعودية يتلقون أفضل معاملة، على عكس ما يحدث لسجنائنا، حتى بات الحكم عليهم بالإعدام وتنفيذ الحكم دون حسيب ولا رقيب، وكأنه انتقام لا أحد يجهل أسبابه!
إن ما يحدث في حق أبنائنا الأسرى في سجون “نوري المالكي” بحاجة لنا جميعا للوقوف في وجه التصفية الطائفية، وبحاجة لتشكيل فريق من المحاميين السعوديين، كالذي تم تشكيله أيام معتقلي جوانتانامو الغابرة، وكان لهم دور كبير في تحريك تلك القضية، وقضية أسرى العراق أخطر مما قبلها، لأن الثأر الطائفي يمسنا جميعا، وليس من الشجاعة استخدام المستضعفين في حروب الانتقام!
www.salmogren.net