لم يكن معالي الأستاذ سليمان العيسى مذيعا يقرأ نشرة أخبار جاهزة ثم ما يلبث أن يغادر الاستديو كبقية الموظفين ! بل كان بصمة إعلامية في مسيرة الوطن، وأحد الأعمدة في تاريخ وزارة الثقافة والإعلام، حيث قدّم الكثير من البرامج المتنوعة، كما أن لديه عمقا ثقافيا ورؤية سديدة مما ساعده كثيرا على النجاح، فهو كاتب مقال في أكثر من صحيفة، ومسؤول إعلامي مميز في الديوان الملكي.
شارك سليمان المواطنين في جميع أحداث حياتهم، فرحا وترحا، فما أن تظهر صورته حتى نعلم أن هناك حدثا مهمّا مثل تعيين وزير أو تشكيل وزاري، أو ميزانية خير تدعو للتفاؤل.. وكان كذلك إبان غزو الكويت وانطلاق صواريخ سكود على بلادنا الحبيبة .. فلا أنسى قط قراءته لتوجيهات الدفاع المدني بكل رباطة جأش، ورفعه يده بطريقة توحي ببث الطمأنينة للناس.
وكان رحمه الله مقياسا حساسا لوضع الحكومة ! فحين تكون الحكومة متوترة بسبب حروب أو إرهاب يحيط بالأمة يظهر ذلك على قسمات وجه العيسى، وحين تكون مطمئنة يكون وجهه منشرحا ينشر الفرح في أرجاء الوطن.
إن مشاركة المذيع لأفراد مجتمعه فرحهم وترحهم نادرة جدا في جو إعلامي يتطلب أن يكون المذيع موظفا فحسب يحمل مؤهلات معينة، إضافة إلى الاهتمام بالهندام وقصة الشعر أو تشخيصة الشماغ والابتسامة الدائمة حتى في حال عرض صور القتلى وضحايا الحروب. بينما كان العيسى يستعجل الفرح للمواطن حتى ليعرف الناس وضع موازنة الدولة قبل نشرها، أو الأوامر الملكية المفرحة للشعب!!
وبرغم اتساع علاقات هذا الرجل وحساسية عمله؛ إلا أنه لم يُسمع عنه أنه دخل في خصومة مع أحد أو مهاترات لا قيمة لها ،فكان رجلا خلوقا محبا للناس صاحب سيرة عطرة، كما كان حريصا على كل زملائه في الوفود الإعلامية، وقد حافظ على علاقاته الشخصية والعملية بخط متوازِ طيلة حياته.
التقيت به في عدة مناسبات فكان يعرفني بصوتي ولا ينسى أن يبث كلماته التشجيعية لكاتبة مغمورة! وكنت أحمّله سلاما عطرا لرفيقة دربه الدكتورة مي العيسى أستاذتي في الجامعة وحبيبتي بعدها، وأنا الآن أعزيها وأبناءها وأسرتها جميعا بوفاة الرجل الذي ساندها حتى أكملت دراساتها العليا وحصلت على أعلى الشهادات العلمية ووصل بها المطاف إلى مستشارة في مجلس الشورى.
وحين يكون الرجل بمواصفات إنسانية راقية مثل سليمان العيسى فحق لنا أن نبكيه لأنه فقيدناكلنا قيادة وشعبا ووطنا.
رحم الله فقيدنا الرجل النبيل، وأسكنه الجنة. وإني لأرجو أن يظل اسم سليمان محمد العيسى حاضرا في هذا الوطن، بحيث يطلق اسمه على معلم تاريخي أو شارع رئيسي؛ ليكون دوما تحت نظر الناس كما هو في قلوبهم ومعهم.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny