للمعلم مكانة، المعلم منذ القدم لكونه المسؤول عن تربية الأبناء وتعليمهم، وأنه المعزز لدور الأبوين والشريك لهما في إعداد الأبناء وتهيئتهم لمواجهة الحياة، عبر تهذيب أخلاقياتهم، وتوجيه سلوكياتهم، وتعليمهم علما ينتفعون به، ولو ألقينا نظرة سريعة على مواقف في تراثنا القديم لنتعرف من خلالها كيف كان المعلم يحظى بتقدير الخلفاء وأمراء المسلمين، فلعل أقربها هذا الموقف، الذي ذكر أن الخليفة العباسي هارون الرشيد قد كلف الكسائي إمام النحاة في عصره أن يعلم ابنيه الأمين والمأمون ويربيهما، ويوما جلس الكسائي في مجلس الرشيد فسأله من أفضل الناس ياكسائي؟، فقال: أو غيرك يستحق الفضل يا أمير المؤمنين؟ فقال الخليفة: نعم إن أفضل الناس من يتسابق الأميران إلى إلباسه خفيه، وكان الأمين والمأمون تقديرا للكسائي يتسابقان على إلباسه خفيه عندما يهم بالخروج من عندهما بعد انتهاء الدرس، هذا الموقف يشير إلى ماكان يتمتع به المعلم من مكانة، وليس مقالي محل نقاش يتناول اهتزاز مكانة المعلم اليوم، حتى رأينا ما يواجهه المعلم من اعتداءات طالت ممتلكاته، وما يوجه إليه من انتقاد، فالمساحة هنا قد تضيق بشرح مجموعة العوامل التي منها مسئولية المعلم عن فقدانه لشيء من مكانته، لكني أريد أن أشير إلى عظم رسالة المعلم ودوره في إثراء عقول طلابه بالعلم المفيد، وتزويدهم بالمعرفة، وتوجيههم نحو الالتزام بالقيم الإيمانية، القيم التي إذا ماسكنت قلوب الأبناء الطلاب، يكونون قد نجحوا في تحقيق الاستقامة المنشودة، المتمثلة في سلوكياتهم ومعاملاتهم مع أنفسهم، ومع مجتمعهم المحيط بهم، واكتسبوا مهارات فهم الحياة، وصناعة مستقبلهم، وهو دور يضطلع به المعلم الذي لديه إحساس قوي بالانتماء للمهنة والعمل التربوي، ولديه شعور بأنه يقوم برسالة هي رسالة الأنبياء والمرسلين، وهي رسالة تكسب حاملها الشرف الكبير، وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول «إنما بعثت معلما» وشوقي قال بيتا أصبح عنوان كل حديث نبدأه عن المعلم:
قم للمعلم وفه التجبيل
كاد المعلم أن يكون رسولا
وهو الذي تساءل في قصيدته الرائعة عن المعلم
أرأيت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفسا وعقولا؟
ولهذا إذا ما أراد المعلم أن يلقى الاحترام اللائق به، وتبقى مكانته الرفيعة عند الناس عليه أن يدرك أنه حجر الزاوية في الميدان التربوي، وأن للمعلم أو المربي مجموعة سمات وصفات يجب أن يلتزم بها، وأنه كما له حقوق يحرص عليها ويطالب بها وزارته، فإن عليه واجبات، ولمهنته متطلبات وللمهنة أخلاقيات ومبادئ يجب أن يتحلى بها، إذا فقد شيئا منها تحت أي ذريعة، فهو بدون شك يفقد شيئا من هيبته التي لا يمكن للعصا أن تفرضها، ويفقد شيئا من مكانته عند طلابه وفي مجتمعه، لأنه القدوة والمثل، وأعين طلابه معقودة به، فالحسن عندهم ما رأوه حسنا عند معلمهم، والسيئ ماحذرهم منه، خاصة طلاب المرحلة الابتدائية الذين يرون في معلمهم الأب الحاني، والراعي لهم، وهو من يظل في ذاكرتهم طيلة حياتهم، ومن قول الحق، فلدينا معلمون يضرب بهم المثل في البذل والأداء والتميز والإبداع، تحفل بهم مدارسنا، نرى من حقهم على وزارتهم أن تكرمهم وعلينا كمجتمع أن نجلهم وندعو لهم.