ما إن يتذكر المرء الفنان (ليونارد دا فينشي) حتى يتذكر لوحة (الجيوكندا) الموناليزا زوجة (فرانسيسكو دي جيوكندا) وهو رجل ثري ومتغطرس ويبلغ من العمر ضعف عمر زوجته الموناليزا التي تنحدر من أسرة كريمة ومتدينة، وقد أخلصت له إخلاصا عميقا، ويعتقد أنه اشتراها بأمواله الطائلة، وتبعا لذلك عليها أن تخضع له كما لو كان اشتراها من سوق الرقيق.
يعتبرها النقاد والفنانون واحدة من أفضل الأعمال على مر تاريخ الرسم، حجم اللوحة صغير نسبيا مقارنة بمثيلاتها حيث تبلغ 30 إنشاً ارتفاعا و21 إنشاً عرضا.
كان الزوج المتغطرس يقيم حفلات في قصره الفاخر ويخلع على زوجته الشابة أثمن الثياب وأغلى المجوهرات للتظاهر أمام النساء أنه قادر على إسعادهن، ويقول بعض المؤرخين إنه كان يأمرها بإعداد الطعام والشراب للمدعوات دون مراعاة لشعورها، ويقال إن اللوحة لسيدة إيطالية تدعى مادوناليزا استغرق رسمها وقتا طويلا.
ولد صاحب اللوحة (دا فنشي) سنة 1452م في قرية اسمها فنشي، كان مهندسا ونابغا في علم الرياضيات وعالم طبيعة ومثّالا، درس الموسيقى وتعمق في الجيولوجيا، وقد سبق جيله بنظرياته المتعددة.
بدأ دافنشي يصور بإبداع ملامح وجه محبوبته الموناليزا وانبثقت جهوده عن الابتسامة الغامضة التي تميزت بها اللوحة دون غيرها.
لقد أكد مؤرخو الفن أن طول المدة التي استغرقها دافنشي في رسم الموناليزا ذريعة ليراها.
عندما يتأملها المرء يكتشف أنها ليست مجرد لوحة لاحتوائها على السر الذي تضمنته الابتسامة الملائكية، حيث بذل دافنشي جهدا رائعا حير علماء الكيمياء والحاسبات الإلكترونية من فك سر الابتسامة. لقد كان دافنشي يعتز باللوحة اعتزازا خاصا وكانت رفيقا له في الحل والترحال كما يعتبرها المتخصصون مدرسة فنية قائمة بذاتها.
إن ما يميز لوحة الموناليزا هو تقديم لتقنيات مبتكرة جدا - لا تزال سائدة حتى الآن - فقبل الموناليزا كانت لوحات الشخصيات تظهر الجسم بشكل كامل فترسم مقدمة الصورة إسقاطا جانبيا لا يعطي عمقا واضحا للصورة - وهي الأغلب - ومن الأمام مباشرة للشخص، فكان دافنشي أول من قدم الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام في لوحات الشخصيات التي رسمها، تظل ابتسامة موناليزا إحدى غرائب الفن الكبرى التي لم يكتشف أحد معنى أو مغزى محددا لها على مر الزمن. وقال علماء أعصاب نمساويون لموقع «هلث داي نيوز» بعد استخدامهم صور كمبيوتر مركبة لمحاكاة ابتسامة موناليزا إنه ليس من السهل سبر أغوار تلك الابتسامة وفهم أبعادها بالكامل. يعتقد أن اللوحة الحالية غير كاملة إذ يوجد لوحات منسوخة قام برسمها رافائيل للموناليزا تظهر تفاصيل جانبية إضافية يعتقد أنها قد أتلفت سابقا عند نقل اللوحة من إطار إلى إطار آخر.
إن زوج الموناليزا لم يستلم اللوحة من دافنشي، كون دافنشي أخذ وقتا طويلا استغرق أربع سنوات، ثم جلب دافنشي الصورة إلى فرنسا عام 1516م واشتراها ملك فرنسا فيرنسيس الأول. وقد وضعت اللوحة أولا في قصر شاتوفونتابلو ثم نقلت إلى قصر فرساي بعد الثورة الفرنسية علقها نابليون الأول بغرفة نومه.
إن اللوحة تعكس بصدق وعبقرية ما تخالج في نفس دافنشي وما تشاجن في أحشاء قلبه لهذه اللوحة المميزة، كما أن كاتبا فرنسيا كتب عنها ثلاثمائة صفحة في كتاب ضمنه آراءه وعواطفه عن هذه اللوحة العالمية.
تعتبر اللوحة - في الواقع - أثمن لوحة يمتلكها فنان في العصر الحديث بل وفي جميع العصور.
إن دافنشي صور بإبداع عبقري ملامح وجهها وقسماته الإنسانية وانبثقت خلال تلك الرؤى الابتسامة الملائكية، ولم يستطع دافنشي أن يكتم ولهه وحبه لشخصية الموناليزا الأمر الذي جعله يبوح بحبها، ثم أنها هي أيضاً صارحته بحبها الدفين في أعماق وجدانها. لقد ترك دافنشي عملا فائقا وخالداً على مر العصور. في سنة 1911 استطاع شاب فرنسي يدعى بيروجي كان يقوم بترميم بعض إطارات الصور في المتحف أن يسرق الموناليزا ويخفيها لديه، وبعد عامين باعها لفنان إيطالي انتهى الأمر بالسارق إلى السجن لمدة عام. وهي الآن في مقرها الأخير في متحف اللوفر بباريس يحرسها اثنان من رجال الأمن.
التفاتة: قل ما يجب أن تقوله لا ما يُنتظر منك أن تقوله.
- الرياض