لو تتحدث الأبواب..ما تقول عمن داخل الأماكن التي تغلق دونها.., الذين تطل بخلفها عليهم..
كم، وكيف من بصمات الأصوات، وصور الحركات، وهمس الحناجر قد احتفظت بها الأبواب...
وهي مشرعة: من، متى، لمَ خروجا منها، أو دخولا عنها...؟؟..
وهي مغلقة: لماذا، من، كيف، متى، ماذا...؟؟..
كل علامات استفهام، معقوفةٌ بهيكلها في تلافيف ذاكرة الباب..
وكل عبور, ومروق، ولمسة إصبع، ومس مفتاح، في الباب تبقى بقايا...!!
الأبواب حارسة بإرادة.., مانعة بمثول.., منيعة بموقف.. هي قرار المرء، وتسليم رغبة..
وإن كانت من وعيه بشأنها هذا المهين على وجهيه داخلها، وخارجها ليس في حساب انتباهته..
لكنها تبقى أقرب الأشياء لمعرفته تماما..
ومع هذا فهي لهذا الإنسان ليست مطلقة الانتماء..
فالأبواب لا حميمية بينها وبين من يؤوب، ولا من يدلف، ولا من يغادر.., ولا من يمكث طويلا أو قليلا، أو يمر عبورا بها.., ممن يبقى خلفها، أو يمضي بعدها..!!
فمن من الناس تحدث عن بابه..؟ إلا متى يريد إزاحته, أو صقله، أو تبديله، أو زرعه في مكان..؟
ومن حسب منهم حسابا لشهادة بابه عليه أسوة أو قليلا بشهادة قدمه، ويده..؟
من فكر بتلاحم الباب مع صوته، وجلوسه، وقوفه، فرحه، وكدره، مشكلاته، وأموره، صفقاته, وقراراته.., حزنه وفرحه.., نحيبه وضحكه.. غضبه وهدوئه..؟؟!!
فشكله الحقيقي، وصورته الواقعية، أمانته, وصدقه، وغشه، وحيله، طيبته، ومكره،..
هيئته قبل الخروج، وبعد الخروج منه..
واقعه بتفاصيله المجردة، وألوانه بزخارفها المركبة..
حتى تعامله مع ذاته بينه، وبينها، وتعامله مع الآخر خارجا عنها..
كلها فوق كف الأبواب مبسوطة بتفاصيلها..
هل فكر أحد في مدى علاقة بابه بمعرفة كل ذلك عنه....؟
وأنه سريره الأصدق, وحارسه الأوثق..؟
لو كانت الأبواب تتكلم.. ما تقول..؟
أتطلق عنك كما بخورك الذي تتشبع منه قبل خروجك شيئا عبقا.. لأنك خلفها كذلك..؟؟
أم تحرقك بنار هذا البخور بعد خروجك عنها، لأنك لست الذي كنت في الحجرات التي أغلقتها عليك دونها قبل انفتاحها..؟
مصادقة الأبواب محاولة للاقتراب من الذات، في مصارحة، ومصادقة, وموضوعية مطلقة....
فهي مرآة المرء التي لا تكذبه أبدا....,
ولا تلون له الحقيقة.....,
كما يفعل الإنسان ذاته، وهو داخلها، وخارجها..!!..
أمام وجهيها السافرين عليه..!!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855