بحزن شديد كلنا تابع في الأسبوع الماضي عبر وسائل الإعلام خبرا صاعقا؛ تفاصيل مقتل الطفلة تالا ذات الأربع سنوات التي قتلت نحرا بساطور خلال غياب والديها في الدوام.
التفاصيل فاجعة لأن الطفلة قتلت في منزلها ليس على يد معتد غريب أو سارق أو مترصد أجنبي, بل على يد العاملة الآسيوية التي قضت في خدمة الأسرة سنوات لم تشك منهم ولا شكوا منها. لكأنه سيناريو رعب متخيل خرج من قريحة هيتشكوك! الموضوع إلى جانب كونه مرعبا يثير الخوف ويحمل الكثير من الحزن, يثير أيضا الكثير من التساؤلات الاجتماعية والتربوية المهمة, خاصة في بلد يمارس استقدام الخادمات بعشوائية بحيث يكاد لا يخلو بيت من واحدة إن لم يكن أكثر لتتولى شؤون المنزل.
وضمن شؤون المنزل أضيفت العناية باحتياجات الأطفال بل احتياجات الجميع. حتى بلغ الأمر من السوء أن طرد بعضهم زوجته وأولاده وتزوج الخادمة المستقدمة. وأعرف شخصيا عدة حالات وصلت فيها الأمور الى هذه الدرجة الكابوسية. تابعت مقابلة إعلامية تلفزيونية جرت مع المتهمة كارني التي بدت مرهقة متبلدة تحت مطرقة الأسئلة. وعبر الإجابات المقتضبة على أسئلة المذيعة وبلغة مكسرة محدودة المفردات حاولت المتهمة أن توضح أنها استلمت رسالة من جهة مجهولة على جوالها تخبرها بأنها سترجع الى بلدها بعد ثلاثة أيام.
وبناء على الرسالة اتخذت قرار قتل الطفلة لكي «لا تغادر البلد» عائدة الى بلدها! ثم فضلت أن تنتحر فشربت كلوركس التنظيف! ليس المهم جنسية الخادمة ولا دوافع ارتكابها للجريمة الكابوسية التداعيات أو مبررات استقدام الخادمات. الأهم أن القضية تثير ضرورة اتخاذ إجراءات تحمى الصغار المستضعفين. رعاية الصغار ليس فقط إطعامهم وتنظيف أجسادهم. هناك قانون صدر رسميا منذ سنوات أن توفر كل مؤسسة خاصة تعمل بها 50 سيدة حضانة لصغارهن.. وهناك مطالبات أن توفر المؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات حضانات في موقع العمل لمنسوباتها من الموظفات. ولكن التنفيذ لم يتابع, ولا حوسب من لم يوفروا حضانات للأطفال. أنظر للأمر بشمولية. هناك أيضا شكاوى متزايدة من عدم توفر وظائف للشابات وللسيدات المحتاجات للعمل. فلم لا نحل المشكلتين معا؟ نوفر حضانات إن لم يكن في كل مؤسسة ففي كل حي؛ ونوظف فيها شابات مؤهلات يتخرجن من برنامج تخصص جامعي تربوي تدرب فيه الطالبات نظريا وعمليا على رعاية الأطفال في سن مابعد الولادة إلى ماقبل الدراسة, أي شهر إلى خمسة أعوام. ويتعلمن كل ما يتعلق بنموهم الجسدي والذهني والانفعالي في هذه المرحلة التأسيسية الحساسة, ليقمن بدورهن في رعاية الصغار جسديا ونفسيا بأسلوب حضاري سليم ومأمون. وبناء عليه اقترح -كتربوية متخصصة في التخطيط -أن يكون في كل حي مركزان لرعاية الأطفال سن 1-2 وسن 3-6 بحساب الساعة أو اليوم أو الشهر توظف خريجات تخصص رعاية أطفال يستجد رسميا بالجامعات. وتكون وظيفة حكومية مثلها مثل وظائف التعليم في المدارس. وهذا يتطلب أن تستحدث الكليات والأقسام التربوية تخصصا في هذا المجال يمنح الخريجات شهادة جامعية تؤهلهن للعمل.
وطبق نظام توفير الحضانات ويوظفهن. بل هو تخصص يفدن منه لو كان خيارهن الاستقرار في المنزل والعناية بأطفالهن بأنفسهن. هكذا نوجد حلا إيجابيا دائما لعدة احتياجات ناقصة الآن, تدريب مطلوب لكل الفتيات, عناية وحماية للأطفال, اطمئنان الأم العاملة على صغارها أثناء الدوام, وإيجاد مجالات توظيف للفتيات.