كتب زميلنا في هذه الجريدة المحامي عبدالرحمن اللاحم مقالاً في غاية الأهمية، بعنوان «وعاظ الفضائيات والتمرد على القانون». وقد ضرب مثلاً على هذا التمرد بالعقود الفلكية التي يتقاضاها بعضهم من القنوات الفضائية مقابل تقديم برامج تلفزيونية، على الرغم من أن وظائفهم محكومة بنظام الخدمة المدنية، وهو النظام الذي يحظر الجمع بين الوظيفة العامة وأي عمل آخر بأجر. وقد لاحظ اللاحم أن معظم من يقوم بهذه التجاوزات من منسوبي الجامعات، التي تحظر على منسوبيها العمل خارج الجامعة إلا بعد أخذ موافقة مسبقة وفق الأنظمة واللوائح التي تنظم عمل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات. وتساءل اللاحم عن الأسباب الكامنة وراء تغاضي مسؤولي الجامعات عن هذه التجاوزات، وخصوصاً أنه يتم تطبيق النظام بحذافيره على الأكاديميين الآخرين الملتزمين بقيم المهنة، عندما يرغبون في المشاركة بمؤتمر أو ندوة في نطاق تخصصهم! فهل هذه التجاوزات، ومن ثم التغاضي عنها هي كل شيء؟!
بداية، أؤكد من خلال عملي بوصفي أكاديمياً كل الملاحظات التي أبداها الزميل اللاحم؛ ففي الوقت الذي تشدد فيه إدارة الجامعات على الأستاذ الجامعي الجاد، عندما يرغب في حضور مؤتمر علمي في تخصصه الدقيق، أو ندوة علمية مهمة، نجد أنها لا تحرك ساكناً أمام فئة جعلت التدريس الجامعي آخر اهتماماتها، بل إنها تستخدم الانتساب للجامعة كـ(برستيج) ليس إلا، وذلك عندما تريد تقديم نفسها للمحافل الإعلامية التي تحصل من خلالها على المال والشهرة. وأنا ومعي كثيرون نتساءل عن السبب الحقيقي وراء إحجام إدارات الجامعات عن تطبيق النظام على هذه الفئة المتسيبة - إن صح التعبير - وخصـــوصاً أنهم لا يقيمون وزناً للجامعة، بل يسيئون لها في كثير من الأحيان، فكيف يحدث ذلك؟
نعلم جميعاً أن بعض هؤلاء المخالفين للأنظمة يرتكبون بعض التجاوزات من خلال البرامج التي يقدمونها، وهي تجاوزات جسيمة، ومثل هذه الإساءات لا تنسحب على الشخص فحسب، بل على المؤسسة الأكاديمية التي ينتمي إليها، مع ما يترتب على ذلك من تبعات، ومع ذلك فإنه لا يلوح في الأفق ما يشير إلى التحرك، إن لم يكن لتطبيق القانون فعلى الأقل لحماية جناب المؤسسات الأكاديمية من هذا العبث. وإضافة إلى ما سبق فإن هؤلاء المخالفين يخلون بأداء واجباتهم الأكاديمية من خلال السفر المتكرر أثناء الفصل الدراسي، وذلك لتسجيل البرامج، أو إلقاء المحاضرات، أو ما شابه ذلك، وقد ذكر أحد منسوبي الجامعات لصاحبكم أن واحداً من هؤلاء لم يحاضر طلابه إلا ما يعادل أسبوعاً واحداً خلال فصل دراسي كامل!
وفي الأخير، كلنا أمل بالتفاتة من رجل التعليم العالي الأول معالي الأخ خالد العنقري لمتابعة هذا الأمر المهم، ولا أظنني بحاجة لطرح المعضلة ذاتها أمام هيئة مكافحة الفساد الموقرة.
فاصلة: «لو لم يجد هؤلاء الأساتذة (المتسيبون) من يتعاون معهم من مسؤولي الجامعات لما أخلوا بأمانة هذه الوظيفة الراقية».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2