عزيزي المواطن، لو كانت الأمور مقلوبة، وحصلت على تأشيرة عمل إلى بلد ما، وقد أنفقت كل ما تملك لكي تظفر بهذه التأشيرة، وتدبرت التذكرة، ثم سافرت إلى بلد تعرف أنه قبلة الإسلام والمسلمين، وحين هبطت الطائرة ومشيت قفزاً، مصحوباً بالأمل والطموح، ثم فوجئت بوجوه رجال جمارك غاضبة، وهم ينهرونك: «هيه صديق روح هناك»، دون أن يتعاطفوا مع غربتك، ودون أن يعرفوا مهنتك هل أنت عامل أو عالم ذرة، فكل الغرباء في هذا البلد ينهرون بصلف وإشارة يد غاضبة: روح هناك!.
عزيزي المواطن، لو نهرك بهذه الطريقة أحد موظفي المطار الذي سافرت إليه كي تعمل، وبلعتها وتحاملت على نفسك، وفكّرت: ربما هذا سلوكهم، ربما هم أجلاف وتؤثر فيهم طبيعة بلدهم الصحراوية. ثم حين أنجزت مهمة البصمات وختم الجواز، وخرجت من الصالة، بحثاً عن بوابة الخروج، وما أن عثرت عليه، وانفتح الباب الأوتوماتيكي أمامك، حتى فوجئت برجال ملثمين كأنما وصلوا للتو من الصحراء، وهم يجذبونك من يدك، ويشدّونك من ياقة قميصك، وحينما قاومت بخوف، بادر أحدهم إلى صفعك، وهو يزعق بوجهك: «هات جواز، جيب باسبورت»، وينتشل جوازك من جيب قميصك، وتفاجأ أنك لست وحدك، بل معك غرباء آخرون، ثم فرض عليك بالقوة أن يوصلك إلى مشوارك، بعد أن أخذ منك مبلغاً مضاعفاً، ماذا ستفعل؟ أو كيف سيكون انطباعك عن هذا البلد الذي ستعمل فيه؟
حتماً ستشعر أنك داخل غابة مسعورة، لا بلد يحكمه النظام والقانون، وستتعلم مبدأً غريباً عجيباً، لكنك ستدرك أنه هو الذي يحكم بيئة العمل التي تلتحق به، والبلد الذي تعيش فيه: إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، ولن تسمح لأن تأكل الذئاب مرة أخرى، بعد أن استقبلتك من بوابة المطار الدولي!.
هذه هي بلدنا للأسف، وهذا هو مطار الملك خالد الدولي للأسف أيضاً، وهؤلاء هم شبابنا الذين يمتلكون سيارات الأجرة للأسف للمرة الثالثة، وهم من يتخطفون القادمين إلى البلاد بطريقة تعسفية، يجذبون هذا، ويصفعون الآخر، وكأنما هم في زمن سابق لتوحيد البلاد وتنظيمها وتقنينها.
الغريب أن كاونتر الأمن في المطار لا يتدخل، فلا أعرف هل هو يعرف ما يحدث أم لا؟ أم أنه يعتبر خارج البوابة أمراً لا يخصه، ولو كنا نفترض أنه لا يعلم بما يحدث لهؤلاء الغرباء المساكين، فهل الكاميرات المنتشرة في أنحاء المطار وخارجه لا تعلم عما يحدث، أم أنها معطلة، أم أنها ديكور تصور دون أن يراقب من خلفها أحد؟.
وربما كتب غيري كثيرون حول هذا الموضوع، بل ونقلت الدراما مشاهد محزنة لهذه المواقف أنجزها الممثل القدير فاير المالكي في مسلسله الرمضاني «سكتم بكتم»، تناولت أن هؤلاء لا يذهبون بالغرباء إلى مشاويرهم أو كفلائهم، بل يختطفونهم فعلاً، ويقومون ببيعهم لمن يشغّل العمالة بطريقة غير نظامية، ولكن كل هذا الطرح لم يحرك ساكناً، إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل: من هو الشخص الذي له مصلحة أن تتحول بلادنا إلى غابة؟