قبل الحديث عن هذا الموضوع، لابد أن أشير إلى سلبيات ردود الأفعال تجاه هذه الفاجعة، وهي حتماً فاجعة أن تفقد طفلتك ذات السنوات الأربع، بطريقة قتل بشعة، من خادمة بقيت في بيتك قرابة سبع سنوات، حتى أصبحت لا تختلف كثيراً عن أفراد الأسرة ذاتها.
هناك من يلوم الأسرة التي تترك طفلتها مع الخادمة دون مراقبة، وهناك من يلوم العائلات التي تتعامل بقسوة مع العمالة المنزلية، وهناك من يلوم الأنظمة التي تورط بعضنا بخادمات سليمات بدنياً، لكنهن مصابات بأمراض نفسية يصعب كشفها عبر الأشعة والمختبرات، ولكن ليس هناك من يشير إلى أن ما يقارب مليون خادمة وسائق من جنسية واحدة تقود منازلنا، ولذلك من الطبيعي أن تحدث مشكلات وجرائم متنوعة، بدءاً من الاعتداء الجسدي واللفظي، والتحرش الجنسي، وحتى القتل انتقاماً، أو دفعاً لأذى ما، أو لظروف مستجدة تطرأ على أسرة الخادمة أو السائق في بلده.
ولعل اختلاف المفاهيم والأعراف والعادات والتقاليد بين المجتمعات، لها دور إضافي في هذا الأمر، والدليل الواضح جداً، هو فشل مفاوضات الجانبين السعودي والإندونيسي في وضع آلية يتفق عليها الطرفان بشأن استقدام العمالة المنزلية من إندونيسيا، ففي حين يعتبر هؤلاء أن اختلاط العاملة المنزلية من أبناء جلدتها، وتعاملها معهم رجالاً ونساءً، هو أمر طبيعي وأحد حقوق العاملة، يراه كثير من أبناء مجتمعنا أمراً خارجاً عن المألوف، وهو الأمر الذي فعله أحد السعوديين في الزلفي قبل يومين مع خادمته الأثيوبية، حينما وبّخها، حينما شاهدها تتحدث مع أحد الأغراب في حديقة عامة، فما كان منها إلا أن هربت من المنزل، ثم أعيدت إليه بواسطة الهيئة، فعاقبها بحرمانها من الخروج مع أسرته في زيارة عائلية، فما كان منها إلا أن اعتدت عليها بساطور وهو نائم، وكادت أن تقضي على حياته، لولا لطف الله سبحانه.
فمثلاً، هناك مؤشرات واضحة في هذه الحالة بأن الأمور أصبحت سيئة، ولا يمكن بقاء الخادمة منذ هروبها من المنزل، لأن إعادتها إلى العمل بالقوة هو أمر أشبه بالسجن، ذلك ما قد يخلق شعور بالظلم، ومن ثم التفكير بجريمة أخرى.
صحيح أننا بحاجة إلى اشتراط تثقيف العاملات المنزليات قبل أن يتم استقدامهن بعادات وتقاليد هذا البلد، والتعريف بقوانينه وأنظمته، ولكن في المقابل يجب أن تقوم مكاتب الاستقدام بتقديم كافة النصائح والتعليمات للأسر السعودية، وجعلها تلاحظ أي حركة أو موقف بين العائلة والعاملة، يكشف عن سوء التعامل بينهما، كي لا ينمو مع الوقت إلى ما لا تحمد عقباه.
نحن نعاني أسرياً من العاملات المنزليات والسائقين، بدليل حالات قتل الأطفال وتعذيبهم والتحرش بهم، وهم أيضاً يعانون من أسرنا، بدليل الهروب الجماعي وحالات الانتحار لدى العمالة، والتي تحدث على أراضينا، لذلك يجب توعية الأسرة بما لها، وبما عليها، تجاه العمالة المنزلية.
وأخيراً، باسمي وباسم قرائي الكرام، أتقدم بالعزاء لأسرة الفقيدة تالا، وأدعو المولى أن يسكنها فسيح جناته، وأن تكون شفيعاً لوالديها يوم الحساب.