لم تنقشع سحابة الطفرة المباركة الأولى إلا وقد غرست في الأرض أكبر شبكة طرق سريعة ربطت بين مدن المملكة ومناطقها؛ فكانت ثمرة مشروعات البُنى التحتية الرائدة؛ ومن أكثرها منفعة وكفاءة؛ فتكلفتها كانت معقولة مقارنة بفائدتها وأطوالها؛ أما جودتها فقد صادقت عليها السنوات الطوال. لو لم تُنفذ الحكومة مشروعات الطرق الرائدة آن ذاك لتسببت في تأخر مشروعات التنمية، ولَحَدَّت من حركة البضائع والنقل بين المناطق والمدن، ولأصبح أمر تفيذها بعد فوات الطفرة أمر غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.
ما أشبه الليلة بالبارحة؛ وسحابة الطفرة المباركة تعود لتظلل سماءنا من جديد؛ ولن تلبث أن تنقشع أسوة بصاحبتها الأولى؛ وكل ما نرجوه أن تنجح الحكومة في استكمال شبكة الطرق الرئيسة بين المناطق والمدن، جنبا إلى جنب مع شبكات السكك الحديدية التي لا تقل أهمية عنها.
مشروع ربط مدينتي الجبيل وينبع بطريق سريع ومباشر؛ وعلى خط مستقيم؛ يمكن أن يكون أحد أهم الطرق الوطنية الإستراتيجية التي تحتاجها المملكة؛ فعوضا عن أهميته الاقتصادية في الربط بين المدينتين الصناعيتين؛ وتقاطعه مع الطرق الرئيسة الأخرى؛ كطريق حفر الباطن القصيم؛ والخفجي القصيم؛ وحائل القصيم؛ وحائل المدينة؛ فهو شريان وطني يربط بين الشرق والغرب، وبين أكثر الطرق السريعة أهمية وازدحاما، ويؤمن مسارا موازيا للمسار الوحيد المتاح حاليا، وهو طريق 40 الذي يصل بين الدمام والطائف.
مشروع طريق الجبيل ينبع؛ الذي يمكن أن ينفذ بخط مستقيم يربط بين البحر الأحمر والخليج العربي؛ ليس بالمشروع المبتكر بل كان موجودا منذ العام 1980 وهو العام الذي استكملت فيه دراسات الجدوى الخاصة به، وضُمِّنَّ مع مجموعة المشروعات المزمع تنفيذها آن ذاك؛ إلا أن التغيرات المالية الطارئة أثرت سلبا على طرحه، فأُجِلَ تنفيذه لسنوات، كانت كفيلة بوأدِهِ وإلقائه في غياهب النسيان، برغم أهميته الإستراتيجية.
لطريق الجبيل ينبع أهمية إستراتيجية عظمى تجعله أحد أهم المشروعات الوطنية الواجب تنفيذها على عجل. فمن الناحية الأمنية يمكن أن يشكل الاعتماد على طريق واحد يصل الغرب بالشرق (طريق 40) ضعفا من الناحية الأمنية، وقصورا في تحقيق الدعم اللوجستي، فقطع الطريق الواحد يعني إحداث شلل في النقل البري، وهذا الشلل سيطال الحركة اليومية بأنواعها ومنها حركة نقل العدد، والبضائع، وسيتسبب في وقف الحركة التموينية عن المدن الرئيسة في الوسط. في حرب الخليج اضطرت الحكومة لشق طرق جديدة بمواصفات عالية لتوفير الدعم اللوجستي لعمليات النقل والإمداد العسكري. نحن في أمس الحاجة اليوم لشق طريق الجبيل وينبع لتحقيق ذلك الهدف الإستراتيجي، ولتوفير ممر آمن يربط بين الخليج العربي والبحر الأحمر. إضافة إلى ذلك فالمشروع سيخفف الضغط عن طريق القصيم؛ الرياض؛ ثم طريق الرياض الدمام أو الطائف وسيسهم في فك الاختناق عن عنق الزجاجة بالنسبة لشاحنات النقل التي تتوقف لساعات طوال بسبب الازدحام في نقطة التقاء طريق القصيم بالرياض. من الناحية الاقتصادية سيسهم المشروع في تدفق البضائع بين الشرق والغرب بسهولة؛ وسيربط بين المدينتين الصناعيتين، والطرق الرئيسة؛ وسيوفر بنية تحتية لمشروعات ربط السكك الحديدية المباشرة؛ وأنابيب النفط. تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز يفترض أن يُلهمنا التفكير الإستراتيجي الذي يقودنا لتنفيذ مشروعات قادرة على مواجهة تلك التهديدات عمليا على أرض الواقع، ومنها طريق الجبيل ينبع، الذي ستتجاوز منافعه؛ المنافع التقليدية؛ إلى المنافع الإستراتيجية الأمنية. مع وفرة الأموال وتضخم الاحتياطيات الخارجية تصبح كلفة إنشاء طريق الجبيل ينبع غاية في السهولة؛ بل إن استثمار جزء من الاحتياطيات المالية في التنمية المحلية خير من استثمارها في سندات توفر التنمية لمُصدريها ولا تُحقق لنا إلا فتات الأرباح؛ عوضا عن المخاطر المرتفعة. مشروع طريق الجبيل ينبع يجب أن يتحول إلى مشروع وطني تُذلل أمامه الصعوبات؛ ويوفر له الدعم؛ وتتبنى تنفيذه الحكومة؛ وأن يُطرح المشروع متكاملا بأطواله النهائية، كمشروع واحد، لضمان تنفيذه في فترة قصيرة، شريطة أن تسند عمليات التنفيذ لشركات عالمية تكون مسؤولة عن الجودة والمواصفات العالمية المُتبعة في إنشاء الطرق السريعة.
f.albuainain@hotmail.com