الاعتدال فكرا وسلوكا، يشمل جميع مناحي الحياة - بحبها وبغضها، وبحركة العطاء والمنع. وهو ما تميز به الإسلام في تشريعاته، وأخلاقه، وفضائله؛ ليكون منطلقا نحو الأمان، والبعد عن الخطر، وطريقا نحو الوحدة الفكرية، ومركزها، ومنبعها. وبدون الاعتدال لا يتصور أبدا انتظام الكون، ولا انتظام الحياة البشرية.
في المقابل، فإن أزمة الإفراط، والتفريط، تعتبر أزمة خطيرة، من شأنها أن تسلب من الإنسان سعادته الدنيوية، والأخروية. فأزمة الإفراط، منهج أهل الشبهات، وأزمة التفريط، منهج أهل الشهوات، وأما منهج الاعتدال، فأهله استضاءوا بنور الوحي، وتحرروا من الشهوات، وحكموا بالعدل، والإنصاف، فيكون اعتدالهم حينئذ شاملا التفكير، والعمل، والسلوك، والعولمة، ونظرية المؤامرة، وضرورة إصلاح الخطاب الإعلامي، والثقافي، والديني، والسياسي.
مناسبة ما تقدم، ذكرني بتأكيد - الأمير - سلمان بن عبد العزيز، في محاضرته التي ألقاها قبل أيام عن “الاعتدال في حياة الملك عبد العزيز”؛ لتأصيل منهج الاعتدال السعودي ، بأن: “العدل، هو منهج شامل يحقق مصالح عامة، وأن الاعتدال يشمل جميع أنواع الحياة، واعتبر أن: “اعتدالنا اليوم مطلب شرعي، وضروري؛ لمواجهة ما تعيشه الأمة من اضطراب”. فكل أمة لا تُبنى على الاعتدال، والتوازن، ومنهج التفكير العلمي المنضبط بالمصلحة العامة، فإن مصيرها الزوال، والتلاشي. فالاعتدال، والتوازن في حياة الإنسان، كالثبات، والتغير، والروح، والمادة، والفرد، والجماعة، والدنيا، والآخرة، لا بد أن يُفسح لكل طرف منها مجاله، ويُعطى حقه بلا غلو، ولا تقصير. وعكس ذلك، كالإفراط في إتباع النص، وتزكية النفس، وترك مدافعة الباطل، وغياب العقلانية، من صور الانحراف عن منهج الاعتدال.
من أهم مزايا الاعتدال، الانفتاح على الآخر، والتيسير، وعدم التشدد في الدين. وتلك مبادئ من صحيح الدين، مركوزة فيه بحكم طبيعته، ومبادئه الكونية. فالجمع على سبيل المثال بين الأصالة، والمعاصرة، يكون بالمحافظة على الثوابت، واستيعاب المتغيرات الحديثة. والطموح إلى العالمية، يكون بمراعاة الخصائص المحلية، والموازنة بين النفس، والعقل.
أهم ما يُمكن إضافته فيما تبقى من مساحة، أن وسطية الإسلام تبرز في الاعتدال بين مطالب الدنيا، والنظرة إليها، وبين مطالب الآخرة، والعمل بها، دون إفراط، أو تفريط. فالوسطية، والاعتدال، معنيان مترادفان في المفهوم اللغوي، والشرعي، والاصطلاحي. وإن الراصد لحياة المجتمعات، سيرى الغلو، والتطرف عند فئة من الناس، إن في النواحي التعبدية، أو في العلاقات الاجتماعية، وهو ما أوقعنا في ألوان من الأزمة، والحرج، والضيق.
drsasq@gmail.com