لم أرى الإعلامي داود الشريان بمثل ذلك الانفعال وهو يجأر بأعلى صوته مخاطبا وزارة التربية بأن تتحمل مسئوليتها المباشرة عن نقل المعلمات إلى المناطق النائية في المملكة وحق له ذلك. لا يمكن على أي حال إنكار جهود الوزارة لكننا هنا لسنا في مقام المدح وأظن الوزارة وكل الوزارات والجهات الخدمية الحكومية ليست بحاجة إلى المديح كحاجتها
إلى التنبيه إلى أوجه القصور والنقد الصادق دون تعدي أو شخصنه، وهذا هو دور الصحافة الرصينة في كل الدول. وزارة بميزانية دول بكاملها (168 مليار ريال) حري بها أن تتربع على قمة وزارات التربية في آسيا أو حتى في العالم، ولم لا ؟. لقد كانت ماليزيا إلى عام 1985م من دول العالم المتخلف، باقتصاد هزيل وتنمية ضعيفة، إلى أن جاء عبقري التنمية ومواطنها المخلص الدكتور مهاتير محمد فقرر أنه خلال عشر سنوات سينقل ماليزيا إلى صفوف الدول المتقدمة. لقد بدأ بالتعليم العام فطور المناهج واهتم بالبنية التحتية للتعليم ككل، فكان أن نفذ وعده فغدت ماليزيا خلال عقد من الزمن مثالا ناصعا لحسن التخطيط والإرادة الوطنية، فانظر إلى خطورة التعليم وأهميته في تقدم الأمم. أذكر عندما كنت في المرحلة الابتدائية وحتى بداية المتوسطة أننا كنا نتناول الإفطار في القاعة المخصصة للطعام في مدارس محكمة البناء، وكانت الوجبة محضرة بطريقة غاية في الإتقان والنظافة ومعدة بطريقة صحية تلبي حاجة الطلبة الغذائية وكانت تحضر في النمسا على ما أذكر، فكم كانت ميزانية وزارة التربية في تلك الفترة - بدأ نظام التغذية المدرسية عام 1976 وانتهى عام 1980 م - والآن مع التقدير لما يبذل من قبل الوزارة فإنها بميزانيتها هذه تستطيع أن تقدم وجبات فندقية عدا عن أن توفر مباني مدرسية صحية وراقية تعين على التعلم وتسهم في صحة الطالب والمعلم الجسدية والنفسية. صدمت كغيري ممن سمع اتصال معلمة ببرنامج (الثامنة) حينما قالت بأنها تقطع 300 كلم ذهابا ومثلها إيابا من منزلها إلى المدرسة التي تعلم فيها وأنها تضطر إلى التحرك في الـ3 فجرا حتى تصل في الوقت المحدد !. وهذا مثال، عدا عن الحوادث الشنيعة التي تخطف أرواح فتيات بعمر الورد يذهبن إلى قرى نائية بسيارات وسائقين الله أعلم بحالهم !. صدق المتنبي حين قال: ولم أر في عيوب الناس عيبا... كنقص القادرين على التمام. قرأت قبل أيام أن والد أحد الطلاب الألمان رفع دعوى على وزارة التعليم في إحدى الولايات الألمانية بسبب رفضها نقل ابنه بالحافلة من بيته إلى المدرسة، لأن المسافة تقل عن كيلومترين فنظام النقل المدرسي هناك ينص على نقل الطلبة الذين تبعد بيوتهم عن المدرسة بمقدار كيلومترين فأكثر !. فانظر إلى الاهتمام والى آلية التقاضي والشكوى، يا حسرتاه !. فأين ذلك الأب الألماني ليرى حال النقل المدرسي وليرى حال أولئك المعلمات وهن يسافرن مات الكيلومترات على حسابهن، إنما العتب على الألمان !.
omar800@hotmail.com