نواصل رؤيتنا في مجال تطوير الرعاية الأولية بعد أن ركزنا في المقال السابق حول تحفيز المتخصصين للعمل في هذا المجال وتطوير مفهوم الرعاية الأولية وعياداته وكذلك الحث على تقديمه بالقطاع الصحي الخاص عبر تصنيف مؤسسات القطاع الصحي الخاص وعبر شراء خدمات الرعاية الأولية منه وغيرها من المحفزات المتمثلة في دعم قروضه وغيرها من الأليات.
المفهوم الآخر غير المطبق بنظامنا الصحي رغم أنه وجد في السابق وطبق بشكل محدود قبل أن تعود الفوضى له يتعلق بنظام التحويل بين مستويات الرعاية الصحية. فالمفترض أن يكون هناك نظام صارم لا يسمح برؤية المريض بالمستشفيات العامة والتخصصية مباشرة وإنما يكون ذلك عبر التحويل من عيادات ومراكز الرعاية الأولية. بحيث يصبح كل مستشفى مرتبطاً بعدد من مراكز وعيادات الرعاية الأولية.. ونظام التحويل هنا لا يجب أن يكون أحادي الاتجاه في تحويل المريض إلى المستشفى أو المركز المتخصص بل في إعادة تحويل المريض ومتابعته بعيادة أو مركز الرعاية الأولية الذي أتى منه.
وحتى يصبح النظام دقيقاً يجب الإدراك بأن الرعاية الأولية مسؤولية جميع القطاعات الصحية وليس فقط وزارة الصحة. بكل أسف قطاعاتنا الصحية الحكومية والخاصة تقدم أكثر من 40% من الخدمات الصحية وتسهم وتشكل نموذجاً في الرعاية التخصصية لكنها غير ملتزمة بأي تنظيم أو مبادرات في مجال الرعاية الأولية.. يجب ن تدرك وتلزم جميع القطاعات الصحية بتنظيم واضح للرعاية الأولية سواء بالتزامها بنظام التحويل المقترح أو بتبنيها إنشاء نظمها للرعاية الأولية الواضحة والصارمة التي تتجاوز مجرد إيجاد عيادات أولية أو عيادات موظفين دون أن تكونة جزء من منظومة وطنية واضحة للرعاية الأولية.. ربما أعتب على مجلس الخدمات الصحية في هذا الشأن لعدم تبنيه خطة واضحة وشاملة للرعاية الأولية رغم معرفتي بأنه مجلس هش التكوين متواضع الأداء لم يقدم لنا ما يتوازى مع مسماه وموقعه التنظيمي في قمة الهرم الصحي ببلادنا.
ولكي ينجح أي تنظيم في مجال الرعاية الأولية لابد من العودة للنظام الأساسي بحيث يصبح التزاماً من قبل الدولة بتوفير الرعاية الأولية لكل مواطن ومقيم، فمجرد التنيظم دون الالتزام والوفاء بهذا الشرط سيزيد تذمر الناس من أي تنظيم يحد من وصولهم للخدمات الصحية. بل أتمنى أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها لزاماً على كل مواطن وبالذات الأطفال وكبار السن ومن في حكمهم بمراجعة عيادة الرعاية الأولية كل ستة أشهر أو كل سنة على الأقل، حيث أحد مشاكلنا تتمثل في عدم اكتشاف الأمراض مبكراً وحين اكتشافها متأخراً يصعب علاجها وتزدحم المراكز المتخصصة بحالات متقدمة ليس موثق تاريخها الصحي ويصعب التعامل معها في المراحل المتقدمة.. مجرد طرح كلام حول أهمية الوقاية دون تنظيم واضح للرعاية الأولية يسهم في كشف الأمراض والحالات المعرضة للأمراض يعتبر كلاماً إنشائياً غير ذي جدوى.
أختم بأن الرعاية الأولية مفهوم أكبر وأشمل من مجرد إنشاء مراكز رعاية أولية. الرعاية الأولية تحتاج نظام محفز للأطباء وتطوير مفهوم العيادات الأولية، ونظام إحالة متقدم، مع التزام بالتطبيق من قبل كافة القطاعات ذات العلاقة. أرجو أن تتم دراسة المقترحات المطروحة هنا بشكل أكثر تفصيلاً، وبالتالي وضع خطط واضحة لتنفيذها.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm