الغش التجاري ظاهرة معروفة عالمياً ترتبط بجودة السلع أو أعمال الصيانة لها وسوق المملكة كحال كل الأسواق تنتشر فيه السلع المغشوشة التي يتم مكافحة انتشارها ورفع مستوى متطلبات المواصفات لأي سلعة مستوردة أو منتجة وهذا لا يعني أبدا أن وصلنا لمرحلة مثالية من جودة السلع بل نحن في أول الطريق.
لكن المملكة تستورد سلعاً وخدمات بنسبة كبيرة من احتياجاتها ومن بين أهم ما تستورده من خدمات هو العمالة، فهي تصنف كخدمات مستوردة ولا بد أن تخضع معايير استقدامها لمعايير ومتطلبات تأتي بالأفضل منهم لسوقنا وهذا ما نفتقده حالياً ويظهر للعيان دون عناء أو اجتهاد فقضية مقتل الطفلة تالا رحمها الله لا بد وأن تحرك الجهات المختصة نحو البحث في طريقة اختيار من يأتون للمملكة بقصد العمل وبكل المهن إذ من الواضح أن الاستقدام وخصوصا للمهن البسيطة كالعاملات المنزليات أو السائقين أو المهنيين تستند على من يتقدم بطلب العمل لتلك المكاتب ويتم ترتيب كل الثبوتيات المطلوبة كالمهنة في جواز السفر وغيرها بتلك الدول بكل يسر وسهولة دون الغوص في مدى كفاءة الشخص للعمل المطلوب أو سجله الجنائي بشل دقيق أكثر مما يتم تقديمه فالاحتمالات لتفسير الإجرام الذي يرتكبه بعض العاملين الوافدين للمملكة كثيرة لكنها لا تبتعد عن الاستعداد النفسي للإجرام وهذا يعني أن تزويراً ما قد حدث بما يقدم من أوراق للوافد في سفاراتنا بالخارج لا يعكس حقيقة الشخص وتاريخه.
إن قدوم أعداد كبيرة غير مؤهلة للعمل أساساً بحسب مهنها التي استقدمت على أساسها يعد باباً كبيراً للهدر الاقتصادي وتأثيره يطال الاقتصاد بكل جزئياته من جرائم متعددة تم الكشف عن كثير منها خصوصا في مجال نشر الرذيلة إلى القتل وكذلك الأضرار التي يتسببون بها لأعمالهم الأصلية من إعطال أو تخريب يكلف الأسر أو الأفراد الكثير من المال بعدها ولعل الكثير عانى من أعمال الصيانة المنزلية أو المركبات بسبب عدم مهنية العمالة وتجد أن أخطاءهم متشابهة وهذا دليل على أن تأهيلهم تم بطريقة عشوائية وغالبا داخل المملكة أي أننا سوق تدريبي ليس مجانياً لهم بل ندفع لهم مقابل أضرارهم، إضافة إلى ما نخسره لإصلاح ما أعطبوه ويلاحظ أن الكثير منهم عند تشخيص الخلل يبادر فوراً لطلب تغيير القطع لأنه لا يجيد إصلاحها أساسا مما يستنزف مالاً كبيراً من الأفراد ومن القطع الأجنبي وزيادة بالاستيراد وارتفاع بتحويلات الأموال للخارج فكم نسبة ما تحوله هذه العمالة غير المؤهلة من حجم ما يتم تحويله.
إن الحلول العميقة لهذه المشكلة الكبيرة تتطلب رفع اشتراطات قدوم العمالة والتدقيق بصحة ثبوتياتهم حتى لا يأتي للمملكة إلا من هو مؤهل؛ فالتزوير للشهادات في بعض الدول سهل ووصل حتى لشهادات علمية حساسة كالتخصصات الطبية ويفترض أن تتوسع متطلبات العمل بالمملكة لتضمين اتفاقيات الاستقدام بين المملكة وتلك الدول شروطاً إضافية تلغي احتمالية التزوير وتجعل تلك الدول تتوسع في تدريب مواطنيها الراغبين بالعمل بالمملكة أيا كان التخصص فلكل مهنة باب واسع للتأهيل والتدريب.
كما أن دعم وتشجيع إنشاء كيانات بالقطاع الخاص تشرف على تقديم الخدمات وفق معايير جديدة وملزمة لملاكها بتقديم هذه الخدمات بشكل منظم سيلغي عشوائيات كثيرة يعج بها سوق الخدمات فتنظيم أعمال الصيانة بكيانات ذات هيكل منظم يتم تواصل المستفيدين من الخدمة معها حتى يتم الرجوع لها إذا ظهر أي خلل بخدمتهم كفيل بالحد من العمالة السائبة والمتستر عليها وكذلك الحال لخدمات الأعمال المنزلية، فشركات الاستقدام التي بدأت أعمالها لن تختلف كثيرا عن الوضع القديم لمكاتب الاستقدام إذا ما لم يتم إضافة تنظيمات جديدة لطريقة تقديم الخدمة لطالبيها ومن الممكن إنشاء شركات أخرى مهمتها تقديم الخدمة والتركيز عليها لتحسينها وتطويرها وترك مسؤولية الاستقدام لتلك الشركات فلا يمكن الجمع بين كل الخدمات دفعة واحدة كما أن تشجيع بعض المشاريع المهمة كدور الحضانة واعتبارها أحد مراحل التعليم الأساسية كفيل بأن يسمح للأمهات الموظفات بوضع أبنائهم فيها دون قلق أو خوف أو حاجة لاستقدام عاملة منزلية لهذا الغرض وهذه الأعمال قائمة بدول عديدة وناجحة وتفتح فرص عمل للشابات السعوديات المؤهلات بأعداد كبيرة جداً.
استقدام العمالة هو استيراد للخدمات وحتى نرتقي بهذه الخدمات ونقلص من احتياجاتنا لها بالطرق التقليدية لا بد من تطوير جميع الأنظمة التي تسمح برفع مستوى الخدمة والاستفادة من أفضل العمالة المؤهلة بتلك الدول والاعتماد على حلول تقلل من أعدادها ومن هدرها الاقتصادي ومن السلبيات التي أفرزتها ظواهر انتشارها العشوائي بكل مكونات الاقتصاد بل والمجتمع السعودي.