|
ولد في ديار أهله الأسياح بالقصيم ونشأ بين مياه عيونها المتدفقة - إبان ميلاد الدولة السعودية الثالثة وقبل اكتمال تأسيسها - تحديدا في أواخر الثلاثينيات الهجرية من القرن الماضي.
ودرج شبلا في دار والده مركز إمارة التنومه فواجه مع والده وجماعته قسوة ذلك الزمن وصعوبة الحياة فيه قبل أن يبلغ الحلم ووقف سندا لوالده وذراعا يمينا يكدح ويكافح في سبيل تأمين حياة مستقرة وعيش بسيط في زمن قلت فيه موارد الاقتصاد إلا من زراعة ضعفت إمكانياتها وما تجود به البيئة الصحراوية الشاحبة مع ما تطلبه الحياة من روافد وإمدادات وما تستهلكه دراهم دار الإمارة في ذلك الوقت العصيب ليقوموا بواجب الضيافة صباح مساء فليس للضيوف في بلدهم مقصدا غيرها مع توافدهم ليل نهار.
وما برح أن توفي والده عام 1366 هـ ليترك له مسئولية أهله وإخوانه وجماعته وأهل بلده فكان أخا وأبا وأميرا في آن واحد فصقلته الحياه بتجاربها وصنعته السنوات العجاف بقسوتها فخرجته عودا صلبا وهامة شامخة تحدى ظروف الحياة وثبت في مسالكها الوعرة.
اتسم برأي سديد وهمة لا ترد تحلى بالصبر والثبات تجلت فيه معاني القيادة ومفاهيمها وارتسمت على محياه بصمات زمن شاق فشكلت ابتسامة جميلة وصنعت قناعة في أعماق نفسه وغرست إرادة قوية صلبة في نهج حياته يقويها إيمان وتوكل على ربه.
تعجب لحديثه إذا تكلم عن حال الدنيا والدار الآخرة يشعرك بأنه يري ربه سبحانه وتعالي عيانا يقضي نصف يومه وليلته في مصلاه ومسجده من يوم أن كان رجلا كهلا حتى وافته المنية رحمه الله.
كنت أسمعه وأنا طفل صغير ينادي بأحياء بلده قبيل أذان الفجر بقليل موقظا أهل البيوت بصوت جهوري مهيب (الصلاة - الصلاة) يوم أن كان الناس يبيتون في سطوح منازلها.
له مع القرآن الكريم ألفة وعشرة طويلة تعرف مصحفه من آثار يده وبصماته الظاهرة على جميع صفحاته، يحضر للمسجد قبل المؤذن دوما وقد يرفع الأذان بصوته ذلك الصوت القوي الصادع.
مد الله له في عمره حتى تعدى التسعين عاما مع ثبات فكره وذاكرته فكان مرجعا لأسرته آل فهيد وأهل بلده الأسياح وعامة قبيلته (عتيبة) ومعرفا وعميدا للأساعده منهم يعلم أنسابهم وتاريخهم وشعرهم ورجلاتهم لا يحابي في ذلك ولا يجامل - قوله عند الجميع راجح وشهادته إذا أبداها وسام وفصل لكل خصام.
أعطاه الله عقلا راجحا ورأيا سديدا وقوة في الحق لا يهاب في ربه لومة لائم فعرفه الناس مستشارا أمينا. إن حضرت لمجلسه يوما أسرك بحديثه الشيق العذب الذي يجمع فيه بين القصة والقصيدة فيبهرك بأسلوب أدبي رائع أخاذ وذاكرة ثابتة راسخة رسوخ الجبال تسترجع حوادث مرت عليها عقود من الزمن عتيقة دون نقص أو خلل كل ذلك مع نفس أريحية وابتسامة صادقة تبث مشاعر الود والمحبة.
يدنيك منه ويشعرك بأبوته وحنانه ورعايته مهما بعد أو دنا منه نسبك !!! فحقا إنه فقيد وأي فقيد!!! ترك خلفه فراغا كبير لا أعتقد أن أحدا يقدر على ملأه وسده.
لكن عزاءنا فيه ما ترك لنا من فعل جميل وسمعة حسنة ونحسبه من عباد الله الصالحين أهل القرآن ولا نزكي على الله أحدا، وقد لحق برب رحيم ومآله بإذن ربه جنات النعيم.
فرحم الله عمي عبد الرحمن بن عبد العزيز الفهيد والدنا جميعا رحمة واسعة وغفر له ولوالدي وأموات المسلمين.