لا أعتقد أن هناك وزيراً للصحة أو مسؤولاً صحياً سعودياً أنكر أهمية الرعاية الأولية، والكل يردد بأنها أحد الجوانب التي يجب تطويرها في النظام الصحي السعودي. رغم ذلك لم نحقق أي تقدم ملحوظ في هذا الجانب لأسباب عديدة سواء تلك المتعلقة بضعف التنظيم وتواضع حماس وفهم القيادات الصحية لموضوع الرعاية الأولية أو لنقص الكفاءات في هذا الشأن أو لأسباب أخرى. سأحاول هنا تقديم رؤية من عدة نقاط أراها تصلح وصفة لإصلاح الرعاية الأولية بالمملكة.
تواضع الرعاية الأولية يُصاحبه نظرة لدى الأطباء بدونية تخصص الرعاية الأولية وحتى الأطباء المتخصصون في هذا المجال كثير منهم يتجه للإدارة الصحية أو التعليم الطبي أو العمل بمراكز طبية متقدمة بدلاً من العمل في مراكز الرعاية الأولية. هذه النظرة صاحبَها تقليص الابتعاث في تخصص الرعاية الأولية وطب الأسرة كما صاحبه نفورٌ من خريجي كليات الطب نحو التوجه لهذا التخصص، ما لم تجبرهم معدلاتهم وعدم قدرتهم للالتحاق ببرامج الجراحة والباطنة وغيرها من التخصصات ذات البريق في أوساط الأطباء والمجتمع.
وزاد الأمر سوءاً تواضع برامج التدريب في مجال الرعاية الأولية محلياً. من هنا أرى بأنه ولكي نغير هذه النظرة فإنه لا بد من إيجاد حوافز خاصة بأطباء الرعاية الأولية، وتحديداً أرى إعادة تنظيم عمل أطباء الرعاية الأولية ليكون وفق آلية تتيح لهم العمل بعيادات الرعاية الأولية بحيث يكون لكل طبيب (على سبيل المثال) عددٌ محدد من المرضى/ الحالات/ الزيارات/ الأسر يتابعهم وما زاد عن ذلك يكون بأجر إضافي، مع دعمهم للعمل بعيادات رعاية أولية خاصة بهم سواء بتقديم القروض لهم أو بالدعم المباشر عبر دعم توفير سكرتارية وتمريض ونظم إلكترونية وتأثيث لعيادتهم.
أحد المفاهيم القاصرة في مجال الرعاية الأولية هو قصرها على إنشاء مراكز رعاية أولية مكلفة، فأي حديث مع مسؤولي الصحة ببلادنا حول الأمر يقفز مباشرة إلى تعداد مراكز الرعاية الأولية، وبالمناسبة نحن منذ أيام وزارة الدكتور غازي القصيبي للصحة نضع خططنا لنصل إلى ألفي مركز رعاية أولية ولم نصله بعد.
الرعاية الأولية يُمكن تقديمها في عيادات بسيطة كما نلحظه في دول عديدة مثل كندا وبريطانيا وغيرها وتبقى مراكز المختبرات والأشعة مركزية وتخدم العديد من العيادات بالمدينة الواحدة. حتى إنك تجد عيادات رعاية أولية بتلك الدول توجد بالأسواق باعتبار ما تحتاجه ثلاث أو أربع غرف فقط.
أحد صعوبات الرعاية الأولية لدينا تحول أقسام الطوارئ بالمستشفيات إلى رعاية أولية حيث يذهب إليها المرضى لمراجعات تتعلق بأمراض بسيطة، بالذات خارج أوقات الدوام الرسمي لذلك تبنت العديد من الدول مفهوم عيادات ما بعد الدوام الأولية بحيث يذهب إليها المريض في حال الأمراض البسيطة كالرشح وارتفاع الحرارة والإصابات البسيطة.. وهذا يمكن تحقيقه بتبني مفاهيم إضافية في تقديم الرعاية الأولية مثل مفهوم عيادات ما بعد الدوام التي تقدم الرعاية الأولية خارج أوقات الدوام للحالات البسيطة حتى يحصلوا على أجور إضافية، وفق مفهوم التحفيز أعلاه.
أيضاً من المفاهيم التنظيمية المتواضعة لدينا فوضى تصنيف القطاع الصحي الخاص، حيث لا يُوجد تصنيف لمستويات الرعاية التي تُقدم بالقطاع الخاص، لذلك أراه مهماً تصنيف هذا القطاع وتقديم المحفزات له لتقديم خدمات الرعاية الأولية المنظمة، وما المانع هنا، من دراسة شراء وزارة الصحة لخدمة الرعاية الأولية المقدمة عن طريق عيادات القطاع الخاص كما هي بدأت في شراء الخدمة للغسيل الكلوي، وفق ضوابط واضحة.
يتبع
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm