لنصارح أنفسنا ونتحدث بواقعية، وهي أن اليوم الوطني صار مخيفاً جداً، الناس تحاول الهروب من المدن الرئيسية خصوصا العاصمة الرياض والمنطقة الشرقية، وهذا الهروب يتم إما بالسفر أو بالانزواء داخل البيت!
والسؤال هنا: ألا تكفينا كل تلك السنوات الماضية التي نلقي فيها باللوم على الشباب وندعو إلى تربيتهم وتأصيل منهج حب الوطن في نفوسهم؟ كل ما قيل لا يعدو عن كونه كلاما إنشائيا لا يقدم ولا يؤخر، مثله مثل منهج «التربية الوطنية»، لأن حب الوطن فطرة وغريزته لا يمكن أن يكون بالتلقين، واحترام الوطن بالتنشئة والممارسة وليس بالحفظ! بل إن الكلام الإنشائي والمناهج الجامدة إن لم تكن تزيد من الفجوة الحاصلة واتساع هوة المشكلة، لأن ما يحدث من سلوكيات سلبية في هذا اليوم -تحديداً- هو بالفعل مشكلة تحتاج إلى بحث المتخصصين وإلى إيجاد حلول، كما أن المنع لن يجدي ولن يفيد لأن المشكلة الحقيقية هي وجود «عنف» في نفوس هؤلاء الشباب، وهذا العنف تجاه الوطن أو الممتلكات أو الشوارع أو الناس، أو ضدهم جميعاً هو مرض ظهرت نتائجه على السطح، والمرض إن لم يُعالج فسيستفحل، وستنتقل العدوى من جيل إلى جيل، والمشكلة التي أراها بشكل جلي، هي أن عددا من الشباب وليسوا بالقليل أو حالات شاذة تُعد على الأصابع، هؤلاء لديهم طاقة إن لم يتم استغلالها لتظهر بشكل إيجابي من خلال الأنشطة والفعاليات والمؤسسات التي يجب أن تُقام لإشباع احتياجات الشباب، وتُصمم لامتصاص الطاقة السلبية التي بداخلهم، فإن لم يجدوا النشاط والمكان فمن الطبيعي أن تظهر هذه الطاقة السلبية ضد الوطن وأهله.
إن مصطلح «الطاقة السلبية» مشهور لدى أهل الاختصاص بما يخص طاقة الجسم، ولعلي هنا أضيف على هذا «النفس» و»القلب»، فما يحدث من تصرفات هي من نفوس شبابية معبأة بقلة التربية، وعدم الشعور بالانتماء، وهذا حصيلة تراكمات كثيرة لا تتسع مساحة هذا المقال لذكرها، أما قلة التربية فإن كان الأهل غير قادرين عليها فإن مؤسسات الدولة عليها تحمّل هذه المسؤولية، والعقاب ليس مجديا في كل الحالات، وليس حلاً مع جميع السلوكيات، وإن كان حلاً مؤقتاً، إلا أن الأهم هو التفكير بحلول طويلة المدى، تُغرس في نفس الطفل من سنواته الأولى، والأهل غير المتربيين لن ينجبوا أبناء لديهم القدر الكافي من التربية، لذا فإن المسؤولية هنا أكبر من مسؤولية الوالدين والأسرة، بل هي مؤسساتية من واجبها تحديد الرؤية وفرض أساسيات الاحترام، الذي وللأسف ومن خلال ما نراه من سلوكيات سلبية شائعة تجعلني أقول وبثقة إن أزمة أخلاقية تظلل مجتمعنا بغيومها، ويبدو أنها غيوم ثقيل حصادها وعلى المدى القريب مدعاة للحزن والألم!
أبسط الحلول السريعة، أن نرصد احتياجات الشباب، ومطالبهم، فمثلا في اليوم الوطني، لماذا لا يكون لدينا احتفالات تليق بهذا الشباب وها هي كل الدول لديها احتفالات وكرنفالات دون فوضى كالتي نراها في مدننا، لماذا لا يتم إغلاق شارع مثل التحلية، ويتم حصر المسيرات والإعلام في هذا الشارع، فلا يعم الزحام كل أرجاء المدن؟ ولماذا لا يكون لهذه المسيرات وقت مخصص بعدها ينتقل الشباب والعائلات إلى ساحة كبيرة مثل ملعب أو حديقة، ويلتقوا بمن يحبوا من أهل الفن والطرب ويرقصوا إلى أن تفرغ كل الطاقة من أجسادهم؟ أعلم أن هناك من سيرد ويقول إن الفرحة باليوم الوطني لا تكون بالرقص، لكنني من بداية المقال وعدتكم أن يكون كلامي صريحا وواقعيا!
www.salmogren.net