لا شك أن التضحية وإرضاء الآخرين من السجايا العظيمة، إلا أنها نقيصة عندما تتحول إلى عادة للانغماس في دور الضحية البائسة، ففي بعض المواقف يعد تقديم الأنا مطلباً صحياً ينعكس على حياتك وحياة الآخرين بالسعادة والطمأنينة والشفافية.. فإشباع حاجاتكِ يجعلكِ جاهزة للعطاء بأمانة واقتناع، حتى لا تكوني جسر يعبر عليه الآخرين دون أن يشعروا بأهميته، لمجرد أنهم تعودوا على ذلك وحسب.
فالعادة تحرمنا من تأمل التفاصيل، كونها تمارس دون وعي بفعل التكرار، وعندما نحب ونكره ونعطي ونأخذ بصمت، فإننا ندخل دائرة الهامشية، لأننا باختصار نريد أن يعلموا ويسمعوا ما تهمس به قلوبنا ونوايانا، وهو اختصاص رباني لا يستطيعه البشر.
فالأنثى التي تريد من الرجل أن يفهمها دون أن تعبر عن احتياجها برسالة واضحة ومختصرة، لن تجد ردًا شافيًا، وقد تأخذ الرد على محمل شخصي، وتتهمه سرًا بالتجاهل، أو تتوقع انسحابه، أو تتخذ موقفًا سلبيًا كالهجر على سبيل المثال، وهو في حقيقة الأمر لا يدري ماذا تريد منه.
والفتاة التي تعتقد أنه ليس من حقها الإفصاح عن خلجات نفسها مع ذويها، وتلتزم الصمت، وتلقي باللوم عليهم وتتهمهم بالقسوة، فإنها هي سبب الظلم الذي تظنه، لأنها لم تشعر بقيمتها، وبالتالي تنقل ذاك الشعور لمن حولها من خلال تمسكها بالصمت، والتنازل المطلق عن حقوقها، وبالتالي تمتنع عن العطاء كرد فعل طبيعي على الحرمان، ويفهم منه أنها في طور العناد والتمرد، وهنا تذوب قنوات التواصل، ويجهل الجميع بعضهم بعضاً.
أعتقد أنه آن الأوان لنتعلم كيف نعبر عن حاجاتنا ومشاعرنا بكل وضوح، حتى نخرج من ضيق الكبت، إلى رحاب الحوار، ويعلم الآخر ماذا نريد وما هو متوقع منه، فالصمت ليس حكمة دائمًا، إنما تعلم فن التعبير بالكلام أو الأفعال هو الحكمة ذاتها.
خارج النص: يفقد البوح قيمته عندما يخضع لترتيب أو تبرير.
amal.f33@hotmail.com