مسكين هذا الوطن، ويومه أيضاً مسكين و(غلبان)، فما زال هناك من يحرّمه، يحرّم الوطن والوطنية ويومه الاحتفالي، وما زال هناك من يردد بأنه لا يستحق يوماً لنحتفل به، لأنه أصلاً لا يحتفل، ولا يحفل بنا، وهناك من يستغل الوطن ويومه بالتهور والفوضى ومضايقة خلق الله، وتعطيل حركة المرور بالرقص في الطرقات والشوارع، وتكسير المحلات ونهبها، وتهشيم السيارات، وأكثر من ذلك بكثير!.
مسكين هذا الوطن ويومه، فهناك من يجدها فرصة سانحة للهرب خارج حدوده بحثاً عن هواء، وهو يردد بأنه يشعر بالاختناق داخل الوطن، ولا يتنفس هواء الحرية إلا خارج البلاد!.
في الدول الأخرى يختلفون حول الوطن، لكنهم يتفقون على حبه، والبذل لأجله، أما نحن فلا نرى في الوطن إلا كائناً مدراراً، إما أن يملأ جيبي قبل أن يملأ روحي، أو هو وطن جاحد، صحيح أننا نعاني من مشاكل كثيرة، كغيرنا من الدول الأخرى، معدلات بطالة ليست هينة، ومعدلات تضخم عالية، ودخل للفرد أقل من طموحه، لكن كل ذلك لا يلغي مسؤوليتنا تجاه ما يحدث، فتثقيف الوطن وتغييره نحو الأفضل بالحب والبذل، هو ما نحتاج إليه. كتابتنا حوله، وما ينقصه كي يكون مكتملاً يملأ شغافنا، هو ما نفعله جميعاً.
كلنا ندّعي حب وطننا، فمن يحرمه من التغيير بحجة أن ذلك سيجلب له الفساد، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} هم ممن يدعون خوفهم على الوطن، ومحبتهم له، ومن يدعو إلى التغيير والانفتاح على العالم هم أيضاً ممن يدعون حب الوطن، وحزنهم عليه أن بقي في دائرة الانغلاق والتخلف، وهكذا يزداد الصراع على الوطن، والجدال حوله، حتى أشعر به كما لو يصرخ بهم: بس! خلاص، أنا تعبت منكم!.
يأتي الوطن في يومه مثقلاً بالهم والحزن والقلق، يريد أن يقفز في مصاف الأوطان المتقدمة، لكنه لا يستطيع بسبب الجدال حوله، كما لو كان جثة رجل عجوز نفق، وحوله أبناؤه يتصارعون على الإرث وهو في النزع الأخير.
علينا أن نتنازل لبعضنا البعض، ونتخفف من أحلامنا التي تثقل الوطن وتشدد الوطأة عليه، علينا أن نخفف القبضة على ياقته، علينا أن نخلي سبيله، وأن نبتعد قليلاً عن وجهه، فلا نؤذيه بأنفاسنا حول وجهه، علينا أن نبتسم تجاه الوطن في يومه، ونقدم له وردة أو باقة، ونقول له بحب حقيقي من أعماقنا: كل عام وأنت بخير!.
علينا نحن الشباب ألا نشوّه ملامحه بادعاء الفرح لأجله، فلا يعني الفرح والبهجة أن نتلف الممتلكات العامة، وأن نتهجم على المتاجر والأسواق، علينا أن نفرح لأجله بهدوء وعقل ورزانة، علينا ألا نخطئ ملامحه الجميلة، ونحن ننظر تجاهه، فنقول له: كل عام وأنت وطننا!.
