|
يمثل الوطن موطن الإنسان ومحله, والمكان الذي يسكن ويقيم فيه، لذا فأن حبه غريزة فطر عليها الإنسان, ومبدأ أثبته القرآن الكريم من خلال معادلة بين الوطن والحياة, قال تعالى:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ، وقد اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام (الوطن المسلم) يكون قتاله فرض عين على كل مسلم, ويبرهن على ذلك التقدير والتعظيم حنين النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة عندما أخرج منها, فقال بعد أن التفت عليها (والله إنكِ لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).
وقد اتفق العقلاء على أن حب الوطن لا ينكره عقل ولا يرفضه لبيب, إنه حب فريد وإحساس مميز, ومشاعر راقية، وتضحية نبيلة, ووفاء كريم, إنه حب سامي يمكن غرسه في النفوس, وتنشئت الأجيال عليه، وهذا ما ينبغي أن تتضافر عليه جهود المؤسسات التربوية والقطاعات الحكومية والأهلية, ويتواصى عليه الآباء والمربون, لأن نتائجه إيجابية على الوطن والمواطن، وعواقب عدم تحقيقه سلبية ووخيمة علينا وعلى وطننا الغالي.
وتحقيقاً لهذا الحب السامي لهذا الوطن الغالي ينبغي علينا كمؤسسات تربوية وتعليمية وحكومية وآباء ومربين ربط أبناء هذا الوطن بدينهم وتنشئتهم على التمسك بالقيم الإسلامية وتوعيتهم بالمخزون الإسلامي في ثقافة الوطن باعتباره مكوناً أساسياً له.
ويعزز ذلك تأصيل حب الوطن والانتماء إليه في نفوس أبنائنا في وقت مبكر, وذلك من خلال إشعارهم بشرف الانتماء للوطن والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وإعداد نفوسهم للعمل من أجل خدمته ودفع الضرر عنه والحفاظ على مكتسباته.
ومما يساعد على غرس حب الوطن في نفوس الأبناء والطلاب تعميق مفهوم السمع والطاعة لولاة الأمر في نفوسهم, والبعد عن كل ما يثير الاختلاف والفتنه, انطلاقاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }، وربطهم بعلماء البلد الثقات العدول, يقول الشاطبي -رحمه الله-: (إن أول الابتداع والاختلاف المذموم في الدين المؤدي إلى تفرق الأمة شيعاً, وجعل بأسها بنيها شديداً أن يعتقد الإنسان من نفسه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين, وهو لم يبلغ تلك الدرجة فيعمل على ذلك ويعد رأيه رأياً وخلافه خلافاً).
ويعد تعويد النفس على الطهارة الأخلاقية وصيانتها من كل الأمراض الاجتماعية والأخلاقية الذميمة, والتحلي بأخلاقيات المسلم الواعي بأمر دينه ودنياه, مما يعزز حب الوطن ويغرسه في النفوس.
ويزيد هذا الحب تعزيز الثقافة الوطنية، من خلال نقل المفاهيم الوطنية إلى أبناء الوطن, وبث الوعي لديهم بتاريخ وطنهم وانجازاته.
ويشجع تعويد المواطنين على احترام وتطبيق الأنظمة التي تنظم شؤون الوطن وتحفظ حقوقهم وتسير شؤونهم, على زيادة حبهم لوطنهم.
ويزيد من مستوى ذلك الحب تهذيب سلوكهم وأخلاقهم وتربيه أبنائهم على حب الآخرين والإحسان إليهم والسعي لقضاء حاجاتهم، والعمل من أجل مصالحهم ومشاكلهم ما أمكن ذلك.
وينبغي على المؤسسات والقطاعات الحكومية وغير الحكومية تعويد منسوبيها على حب العمل المشترك, والعمل التطوعي, والإنفاق على المحتاجين، وعلى التفاهم والتعاون والتكافل والألفة فيما بينهم، والابتعاد عن كل الإفرازات العرقية والمنطقية، وحب المشاركة في المنافسات الوطنية الهادفة والتفاعل معها.
أخيراً : بغفل الكثير عن مفهوم الحب الحقيقي للوطن, ذلك المفهوم العملي الواقعي المشاعري, الذي يتجاوز حدود الذات ومصالحها ومباهجها، إلى التضحية بكل دقيقة في سبيل بناء هذا الوطن المسلم -المملكة العربية السعودية-.
عميد شؤون الطلاب بجامعة المجمعة