|
يوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر يوم خالد في تاريخ هذه البلاد، شهد إعلان أول وحدة عربية في التاريخ المعاصر، وولادة دولة فتية اسمها المملكة العربية السعودية لتحل بديلاً للكيانات الممزقة التي كانت سائدة قبل نحو قرن من الزمان.
كفاح بطولي خاضه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ورجاله المخلصون دام أكثر من ثلاثين عاماً تمكن فيها -رحمه الله- من توحيد أجزاء هذه البلاد تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، والقضاء على الفرقة والتناحر بين القبائل، وبدد الظلام والجهل ليحل محله العلم والنور، وحالة الفوضى والتناحر والاقتتال إلى الأمن والاستقرار، وجمع شمل سكانها وتآلف قلوبهم في وطن واحد وعلى هدف واعد نبيل جعلهم يسابقون ظروف الزمان والمكان ويسعون لإرساء قواعد وأسس راسخة لهذا البنيان الشامخ على هدي من كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم. إن اليومن الوطني مناسبة عزيزة تتجد كل عام يتوقف عندها أبناء هذا الوطن وقفة تأمل وإعجاب بعزيمة الرجال التي لا تمل، وصدق النوايا المقرونة بالحكمة ونفاذ البصيرة والبعد السياسي الذي كان يتمتع بها الملك عبدالعزيز، وقفة لاستلهام العبر والدرسو من ملحمة التوحيد ومعركة البناء، وتأسيس البنيان لهذه البلاد في مراحلها الأولى بالرغم من شح الإمكانات المادية وقلة الموارد المالية، وقفة لاستيعاب الصمود وتحدي الصعاب وتخطي العوائق بتوفيق من الله لخوض معترك التنمية في مختلف المجالات للنهوض بالمجتمع السعودي والأخذ بأسباب الحياة المعاصرة، وتأمين العيش الكريم لأبناء الشعب.
لقد نهج الملك عبدالعزيز منهجاً فريداً في إدارة الحكم في البلاد استمد مبادئه من الشريعة الإسلامية، وجعل الشورى مبدأ رئيساً في الحكم فالملك عبدالعزيز كان يأخذ بمشورة أهل الحل والعقد في إدارته للبلاد، وسار أبناؤه البررة من بعده على هذا النهج الإسلامي القويم.
الحديث في مثل هذه المناسبة يتجلى في مظاهر التنمية التي تحققت في المملكة العربية السعودية وفي مختلف المجالات، وما تحقق لأبنائها من رقي وازدهار ورخاء العيش الكريم، إلى جانب دورها المحوري إقليمياً ودولياً.
فقد قيض الله لهذه البلاد قيادة رشيدة نذرت نفسها لخدمة الدين الإسلامي أولاً ثم أبناء هذا الوطن ثانياً فسخرت جميع الإمكانات والموارد الاقتصادية للتنمية الشاملة في مختلف المجالات، حيث شهدت المملكة تطوراً ونمواً متوازناً مع ما تتطلبه كل مرحلة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- مروراً بعهود الملك سعود وفيصل وخالد وفهد -رحمهم الله جميعاً- وصولاً إلى العهد الزاهر لرائد التحديث والإصلاح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي عزز من مكانة المملكة إقليمياً ودولياً يعاضده في ذلك سنده وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-.
فقد اتسم عهد خادم الحرمين الشريفين بسمات حضارية رائدة جسدت ما اتصف به -رعاه الله- من صفات متميزة أبرزها تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني بأجمعه، وترسيخه لقواعد الحوار محلياً ودولياً إلى جهوده الإصلاحية التطويرية الكبيرة في سبيل بناء دولة المؤسسات.
في هذا العهد الميمون تحقق للمملكة نقلة نوعية في تطوير وتنمية العديد من المجالات وبخاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بالمواطن، فجاء مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، والتوسع في افتتاح الجامعات الحكومية لتوفير التعليم العالي لأبنائه الشباب وفتيات الوطن في مختلف المناطق، حيث وصل عدد الجامعات إلى 25 جامعة بالإضافة إلى الجامعات والكليات الأهلية، إلى جانب برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، هذا فضلاً عن حزمة من الإصلاحات التي طالت القطاع الصحي، وقطاع الإسكان، وإعادة هيكلة بعض القطاعات بما يتوازى مع حجم المتغيرات التي تشهدها المملكة.
وترسخ الحوار الوطني لنشر ثقافة الحوار والتسامح وتقريب وجهات النظر بين أطياف المجتمع لتعزيز الوحدة الوطنية، وغرس الانتماء الوطني للحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته.
وتعززت المكانة الدولية للمملكة بدخولها مجموعة العشرين الاقتصادية، لدورها المحوري في خدمة الأمن والسلام الدوليين، ومبادراتها السلمية، وخدمة الإنسانية جمعاء، وجهودها الدولية في نشر ثقافة الحوار والتسامح عبر مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار العالمي بين أتباع الأديان التي تحققت في مؤتمر مدريد في شهر يوليو 2008م وأسفر عن تأسس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار العالمي في العاصمة النمساوية فيينا، ليكون منبراً للحوار بين أتباع الأديان بما يجمع بينهم القواسم المشتركة التي تسهم في التقريب بين مواقفهم تجاه مختلف القضايا التي يستغلها المتطرفون المنتسبون للأديان السماوية للنيل من أتباع الديانات الأخرى والازدراء من رموزها الدينية.
في هذا اليوم المبارك الذي يتجدد كل عام سنظل نذكر بالشكر والعرفان للملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- جهوده العظيمة في تأسيس هذا الكيان، وتوحيد القلوب وجمع الشتات بعد الفرقة، وتأصيل الحكم على شريعة الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا المقام يسرني أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وللأسرة المالكة والشعب السعودي الكريم بمناسبة اليوم الوطني، سائلاً المولى عز وجل أن يديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها، ويحفظ لها قادتها ويمدهم بالعون والتوفيق لخدمة الدين والوطن.
- الأمين العام لمجلس الشورى