|
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد..
تمثل الذكرى السنوية لتوحيد الوطن مشهدا يتجدد سنويا بعطاء مضاف لسجلنا الحافل، حيث السير على ثوابت الدولة، بعزم وتصميم واثق بالمولى جل وعلا، أسفر - بحمد الله - عن تطور ونهضة في عموم قطاعات الدولة، تحكيها بالتفاصيل لغة الأرقام التي تكشف بالوثائق معدل التنمية ونموها المطرد في بناء صرحنا الوطني، وفي ذات الوقت يكشف أسلوب تقييمه الدقيق قيمه المضافة، فالمملكة العربية السعودية في حراك تنموي مستمر، يسبق كل منجز - رسالة ورؤية -.
لقد اضطلع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بمهام كبيرة في بنائنا الوطني ترجمت حجم الأفق القيادي وعزيمته الصادقة، ولا تستقر في ذاكرة التاريخ إلا المنجزات الكبار التي تصنعها - بتوفيق الله - عزائم الرجال، حينما تستشرف مستقبل أمة ووطن، متوكلة على ربها، وهي تستشعر ثقل المسؤولية، وأعباءها الجسيمة محلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً فلها في كل هذه المهام الجسام بصمة وأثر وعليها مسؤولية .
وفي مرفقنا العدلي نستذكر - ونحن نحمد المولى جل وعلا - النقلة النوعية التي شهدها القضاء في المملكة سواء في تراتيبه التنظيمية الحديثة، أو مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، الذي أسهم في إحداث هذه النقلة، وهيأ المزيد من الأسباب، لقيام المرفق بالمهام والمسؤوليات المناطة به على أكمل وجه.
لقد سرنا كما سر غيرنا تنويه العديد من المعنيين بالشأن القضائي والحقوقي في الداخل والخارج، بعطاء ومنجز مشروع خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - لتطوير مرفق القضاء، مثمنين قفزاته في كافة محاور المشروع، والتي سبقت بعض الدول المتقدمة، ونحن على يقين بأن ثقة خادم الحرمين الشريفين في مرفق العدالة، ودعمه السخي لهذا المشروع، مع همة رجال المرفق ستزيد - إن شاء الله - من تميزه وعطائه، وتضيف لتاريخنا العدلي معالم مهمة.
لا يخفى على كل متابع أن نظامنا القضائي الأخير أضفى العديد من التحديثات والضمانات حيث تركز في مجمله، على درجات التقاضي، بإنشاء محاكم الاستئناف، والمحكمة العليا، بعد أن كانت اختصاصات المحكمة العليا موزعة على محكمة التمييز، والهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى (السابق)، لتمثل هذه النقلة وحدة موضوعية في إجراءات ودرجات التقاضي، كما تضمنت الآلية التنفيذية لنظام القضاء إحداث العديد من الوظائف القضائية والوظائف المساندة، في تأكيد واضح لتفعيل هذه النقلة في سياق جاد وحثيث، ويؤمل بعون الله أن تشهد الساحة القضائية بعد هذا الدعم الكبير المزيد من المنجزات، وبخاصة ما يتعلق بإنجاز القضايا، وتوحيد مبادئها، وتدريب القضاة، وإيفادهم للمزيد من التحصيل والتأهيل، والتفاعل مع الحراك العدلي في الجوانب العلمية والإجرائية والتطبيقية وهو ما عملت وتعمل عليه الوزارة في أداء يتزايد باطراد، مع سعي الوزارة إلى إيجاد منظومة قضاء إلكتروني متميزة؛ تطبيقاً لمفهوم الحكومة الإلكترونية حيث تم تنفيذ مشروع متكامل يوسّع البنية التحتية التقنية ويُدخل تقنيات حديثة لتنقل الوزارة إلى المزيد من تنفيذ تطلعات المرحلة المقبلة في الإجراءات وهندستها معززة بآخر معطيات التقنية.
إن الأسس الراسخة والحكيمة التي تركزت عليها سياسة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - في تصريف شؤون الدولة، قامت على هدي كريم ونهج قويم من كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي الأسس التي رسخ مبادئها، وأرسى دعائمها مؤسس هذا الكيان العظيم جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لتأتي هذه الانطلاقة من قواعد ثابتة، تقوم بدورها الرائد في مواصلة تشييد صرحنا الوطني الكبير، الذي تشرف بخدمة الحرمين الشريفين، ورعاية قاصديهما، وجعل في طليعة اهتماماته نصرة قضاياه العربية والإسلامية العادلة، مستشعراً أهمية دوره في مجتمعه الدولي، في تعاط إيجابي ومثمر مع كافة المتغيرات التي يشهدها العالم باستمرار، وما تتطلبه من حسن الاستطلاع والرصد والرؤية الحكيمة مع الأخذ بزمام المبادرة.
إن النهج القويم الذي سلكته المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - ترجم بوضوح المؤهلات القيادية التي تتمتع بها قيادتنا الحكيمة، وكشف ذلك بوضوح أكثر المنعطفات والتحولات التي تشهدها الساحة الدولية من حين لآخر، ليأتي التعامل معها بإدراك ووعي.
لقد استشعرت الدولة أن قافلة العصر سريعة الحراك صعبة المراس، وألا مكان فيها للتباطؤ، والتسويف، وأنصاف الحلول، فكانت بنهجها الموفق في الطليعة بادراك يعاير عن بعد صعوبة كل قادم نستشرف له أملاً وفألاً حسناً، إن لم يتم التعامل مع كافة مفرداته وتطلعاته بإدراك ووعي من اللحظة الأولى.
لقد استقرأت قيادة المملكة العديد من المفاهيم، وترسخ في وجداننا الوطني أن ثقافة الحوار تمثل صوت المنطق والعقل، فجاء نداء خادم الحرمين الشريفين معبراً عن نداء الوسطية والموضوعية، بآفاقه السلمية والتعايشية، داعياً لثقافة الحوار الديني والثقافي والحضاري، وترجمت هذه الخطوة المسددة بعداً على المستوى الدولي، نوه به الجميع.
لقد أدرك - يحفظه الله - إن منطق الحوار هو منطق العدل، رسخت ذلك إستراتيجية موفقة،. ابتدأت بدعوته إلى: (المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار) في مكة المكرمة، ثم إلى مدريد العالمي، حيث نقلت فيه الرسالة التي صدرت عن مؤتمر مكة، ثم دعوته - أيده الله - لفعاليات مؤتمر الحوار بين الأديان والتعاون من أجل السلام الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ودعوته حفظه الله خلال مؤتمر قمة التضامن الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك هذا العام إلى تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية.
ولنا مع نفحات وطننا المعطاء موعد يتجدد كل يوم، تسير فيه قافلة الخير، على ما أراد الله لها من الهدى والعون والتسديد، ولو لم يكن في هذه الذكرى وأمثالها إلا استجلاء العطاء الوطني، لنكون جميعا على محك المسؤولية، في يوم توجهت إرادة القيادة لأن يكون أكثر مراجعة، واستطلاعاً للأعمال والتضحيات، اغتباطا بتجدد النعمة، وتحدثاً بها، وفرحاً بفضل الله ورحمته، وتحديثاً لذكراها، لتبقى في الوجدان، تعتز بتميز أسلوبها في الاحتفاء (لفظاً ومعنى)، بعداً عن المحاكاة والتبعية، كتميز المحتفى به، في شأن من شؤون دنيانا، يحفه السمت العام وتوازن المنهج، ليكون - بعون الله - عوناً على معادنا، وسبيلاً للتواصي بالحق والصبر، والصلة والوداد، والعمل بعزم الرجال، لما فيه خير البلاد والعباد، والنفس المؤمنة أحوج ما تكون للذكرى، فهي لها نافعة ولعملها محفزة، وبالله التوفيق.
بقلم وزير العدل الشيخ الدكتور/ محمد بن عبدالكريم العيسى