وطني غداً يعيش يومه الـ 82 من عمره المديد ومن قامته الشامخة ومن أمنه المستتب.. اليوم الوطني الذي نحتفي به غدا هو يوم آخر وزمن جديد وريادة متكررة.. ونحن كل من عاش وينتسب إلى أرض هذا الوطن نعيش فرحة الوحدة الوطنية التي جمعتنا، وشموخ الازدهار الذي نما وتطور، وتفاؤل المستقبل الذي نتطلع إليه..
«المواطنة» هي أفضل وسام يتقلده الإنسان في هذا الكون البشري المتلاطم، وهو شرف ينتسب إليه الملك والوزير والمدير والموظف والعامل والصغير والكبير والمرأة والرجل.. هذا الوسام الذي نتقلده لنعلن انتسابنا إلى روحه، واندماجنا في ذاته، وحبنا لكيانه، وحرصنا على بقائه وانتظامه هو الذي نعيش ونحيا ونموت له ومن اجله وفي سبيله ونعشق سماه وثراه وهواءه وكل لحظة زمن أو نقطة مكان..
نحن الوطن، والوطن هو نحن: أنا وأنت وهي.. ولا يفرق الوطن بين شخص وآخر أو مكان ومكان أو زمان وزمان، فالجميع هم صناعة هذا الوطن، والوطن هو من احتوى الجميع، وتربينا فيه، وعشنا معه، ونتطلع إليه، ونبقي شامخين بشموخ الوطن، وسعداء بفرحة هذا الوطن.. نحن الوطن، والوطن هو ما نحن فيه، وما نفيض به من مشاعر وقيم ومعتقدات.. نعيش من أجل الوطن، والوطن يبقي ما دمنا فيه ونعيش له ونفديه بما نملك وكل ما نملك.. فالوطن هو ملكية عامة نشترك فيها ونتعاون فيما بيننا لتحقيق تفردنا بملكية الوطن، ونتعاضد من أجل بناء شخصيتنا وهويتنا التي هي واجهة الوطن، وروحه، وقلبه النابض..
في يوم الوطن يجب ان نسأل ماذا قدمنا للوطن؟ وماذا بذلنا من اجله؟ وماذا يمكن ان نصنعه من أجل هذا الوطن، ويجب ان يكون يوم الوطن - الذي يصادف هذا العام يوم غد الأحد - هو يوم كشف حسابنا مع الوطن، وكشف تضحياتنا مع الوطن، وكشف عن حجم الفكر والعقل والعرق والجهد الذي بذلناه من أجل خدمة هذا المكان في لحظة الزمن الحالية والمستقبلية.. يوم الوطن هو يوم استرجاع ما مضى، ولكنه كذلك يوم استشراف لما سيأتي.. ولهذا فنحن نسأل دائماً ماذا قدمنا للوطن؟ وما ذا سنقدم له؟
وتتأسس شرعية هذا السؤال من مناسبة وتوقيت يوم الوطن في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، لتذكيرنا بالآباء والأجداد عندما اجتمعوا مع الملك عبد العزيز واطلقوا اسم «المملكة العربية السعودية» على هذا الكيان الكبير، الذي جمع الشتات ووحد الصفوف وألف بين القلوب.. وهناك في ذلك التاريخ بدأ الوطن الحقيقي لهذه البلاد بعد أن أنهي الملك عبد العزيز طيب الله ثراه مرحلة التوحيد التي دامت اكثر من ثلاثين عاما ولم يشهد لها التاريخ المعاصر للمنطقة العربية والإسلامية مثيلا.. نحن اليوم نعيش في ظلال تاريخ التأسيس السعودي الذي انطلق بتضحيات وجهود ويعود إلينا اليوم بفرح وسعادة وحب وأمن واستقرار.. وهذا بفضل الله الذي أراد لنا ان نحمل مسؤولية الأمانة ونحقق أحلام الحقبة الزمنية التي نعيشها للوطن وللأمة.
والوطن هو عمل تراكمي وجهود متصلة وعقول متلاحمة وأجساد مترابطة، تضيف دائماً وتزيد كثيرا وتنمو مع الوقت لتصبح هي السياج الذي يحمي الحدود، والسواعد التي تبني المكان، والعيون التي تسهر، والعقول التي توجه.. ونعيش اليوم لنتأكد ان كل فرد من أبناء وبنات هذا الوطن هو إضافة ولبنة صالحة أسهمت في الماضي وتعزز من الحاضر وترتقي إلى المستقبل المشرق - بإذن الله تعالى -.
ويكفينا في تقدير ما قدمه الوطن لنا أننا نحن كما نحن الآن، دولة ومؤسسات وكيان له حضوره أمام العالم كقوة اقتصادية وسياسية ودينية.. ويكفينا ما وصل له الفرد منا من تعليم وثقافة ومعرفة ووعي.. ويكفينا ما صنعناه لنا من هوية وشخصية وواجهة وحضور واسم ومكانة.. ويكفينا أننا اليوم نرى علم هذه البلاد مرفوعا في محافل عالمية ومناسبات دولية في مختلف عواصم ومدن العالم.. ويكفينا ان الوطن قد انجب مواطنات صالحات في قيمهن وتعاليمهن وتربيتهن وحضورهن في كل مناسبات العلم والمعارف وتقلدن مختلف إدارات المسؤولية في الداخل والخارج..
وطني في يومه الوطني هو قيمة مضافة للإنسان والمؤسسة والدولة، وهي كلمات تجلجل في الأسماع، وحقائق تعلن أمام الناس أننا هنا وعلى هذه الأرض سنبقى بمشية الله تعالى يدا بيد وصفا بصف ومكانا إلى مكان وزمنا في زمن من أجل ان يبقى الوطن وطننا، والمكان أرضنا، والحب لغتنا.. واليوم الوطني هو اللغة السياسية التي ترجمها العالم لتكون لحظة استلهام العبر من الماضي ولحظة التفكير في الحاضر ولحظة الانطلاق إلى المستقبل.. ونحن في المملكة العربية السعودية لدينا كل ما لدى مواطني العالم من اهتمام بالأيام الوطنية، وابتهاج بمقدمها وفرح بمغزاها وقيمتها الوطنية.. ونضيف إليهم أن الله قد كتب لهذا الوطن قيادة صالحة تسعى لخدمة هذا الوطن، وتحرص على أن تلبي احتياجات ومتطلبات المرحلة التي يعيشها المواطن في هذا الوطن. فعبد الله بن عبد العزيز وسلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله - هما قيادة مستنيرة ومدركة وواعية بالشأن الوطني، وتسعيان دائماً إلى تحقيق الرفاهية والازدهار لهذا الوطن الغالي بمن عليه، والغالي بمن يغليه..
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود