أنا أدرك أن في كثير من الأمور التي أطرحها سواء في الاقتصاد أو التمويل أو الفقه، تشكل الفكرة الخاطئة المبنية مسبقا في أذهان المستمعين عاملا من أهم عوامل عدم الفهم وممانعة القبول عموما. كما أدرك أن هناك عوامل أخرى في عدم فهم بعض المُتلقين، كالمصالح الخاصة والانتصار للنفس وقلة الذكاء وضعف الحجة والمنطق وأثر التقليد والحفظ بلا فهم. ولكني لم أر هذه العوامل مجتمعة كلها وبنسب مرتفعة جدا، كما وجدتها مؤخرا في شخص ينسب نفسه للعلم الشرعي، فبه يصف نفسه وبه يسترزق.
جمعني وهذا «الشيخ» مشروع طرحته عليه لتجديد الفقه مبني على تخلية المفاهيم من فقه التقليد المذهبي. وذلك بنقد الفقه الموجود نقدا شرعيا وعقليا ثم إعادة تأصيل الأحكام على أساس الاستنباط بالعلة في أحكام الغايات واستخدام الحكمة في الوسائل بظروفها، ثم وضع هذه الأدوات المبسطة في مناهج واضحة، ثم البدء بتعليم الأطباء والمهندسين والفلكيين وأصحاب هذه العلوم على استخدام هذه الأدوات ليصبحوا هم المتخصصين الشرعيين في مجالاتهم، كما سيصبح المسلم قادرا على استنباط أحكام دينه التي يحتاجها مستقلا عن «الفقيه». كما طرحت جانبا عقائديا في التقريب بين الأمم تحت قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا)، والمتتبع لمقالاتي يرى كثيرا من معالم هذا المشروع من خلال ما كتبته في (الجزيرة). وقد رأيت من هذا «الشيخ» اهتماما شديدا وتأييدا قويا. ولعلمي بحب هذا «الشيخ» للادعاء والظهور فقد اشترطت عليه عدم ظهوري مطلقا، كما اشترطت عليه أنني لا آخذ أجرا على هذا، فأنا لا أقبل دنيا في دين خاصة في تعاملي مع مثله، «شيخ» لا يرى ولا يسمع إلا بالمال والحديث عن الثروات والأراضي. وعلى الرغم أن كل أحد -ما عدا واحدا التزم الصمت- ممن عرف من الأفاضل عن هذا المشروع نصحني بالابتعاد عن هذا «الشيخ»، فالمعروف عنه حب الدنيا وتغيير الكلام وتبديل المواقف. وبما أنني أومن بأن الله يُحيي العظام وهي رميم، فقد رجوت أن يكون الله قد أحيا قلبه، فأراد هذا « الشيخ» أن يكفر عن سيئاته بمشروع عملي كهذا، كما زعم هو عندي. وبعد ستة أشهر قضيتها وأنا أجهز للمشروع، انتكس هذا « الشيخ» على عقبه وغير كلامه وجحد وعوده بتهديد وتثبيط بصلافة وجه وببرودة دم، تماما كما تنبأ كل من عرف عن المشروع. فالرجل معروف بعدم الصدق ولو من غير حاجة وهو صاحب تاريخ طويل في طلب مطامع الدنيا والتقلب في المواقف من أجل تحصليها.
والشاهد أنه عندما أبان عن نيته في انقلاب مواقفه وكسر وعوده، أراد أن يحتج علي بعلمه وأنني لا شيء أمامه وأن لا يجب علي مناقشته في تغيير مواقفه، فبدأ بنوع من التهديد المبطن، ثم التثبيط فقال: ما تفعله ليس إلا كمن يريد إزالة كومة كبيرة من الطين بحك أصبعه فيها، وأن لا يغرنك من يناصرونك في آرائك فهم لن ينفعونك وسيتطايرون كالفراش من حولك، ولن يبقى لك إلا المعادون المعارضون، ثم سألني عن شروط الصلاة. ولم أتصور أنه يختبرني فاعتقدت أنه يريد الاستشهاد بمنطق أصولي ما لم يبينه لي، فشرحت له على ماذا اصطلح العلماء الشرعيون في التسمية والتفريق بين الركن والشرط فبدا الرجل ضائعا لا يفقه ما أقول، فقال: فقط عدّد شروط الصلاة لي. فقلت بناء على تعريف الشرط وكونه ليس جزءا من الصلاة ويلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود فالشروط هي كذا وكذا، ليس من حفظي ولكن من فهمي لمعنى الشرط وفرقه من الركن. فعندما عددت غالبها قال لي: «خلاص خلاص» صحيح هي سبعة. فعرفت بعد ذلك أنه يختبرني، فأدركت مستوى الهوة الفكرية والعقلية بيني وبينه. نحن نتحدث عن تجديد فقه وإحياء عقيدة وهذا يريد تثبيطي بفوقية علمه وقوة الحجة بحفظ شروط الصلاة أملا أن أكون لا أعرفها. وقد أصاب هذا «الشيخ» في أنني لا أحفظها ولكني قادر على استنباطها بسهولة من طريقتي في التأصيل، وهذا ما حصل. فما كان مني إلا أن تركته رافضا عروضه المحاولة في تسخيري لبناء أمجاد دنيوية له على حساب علماء ربانيين كبار. وقد كان يكفي هذا «الشيخ» لو أنه لم يكن متعاليا متكبرا، أن يقول «هونت» أو أن يتجاهل الموضوع وكأن لم يكن، كما اعتدت أن ألقى دائما من ربع «هوَنّا»، دون الحاجة إلى التهديد والإنكار وتغيير الكلام والجحود والتثبيط والانقلاب علي. فبعد أن كنت المجدد السابق لزمانه كما قال، أصبحت أُختبر في حفظ شروط الصلاة!! فانصرفت وأنا لا أدري أأبكي أم أضحك!؟ فالمسكوت عنه في ضحكي أن أمثال هذا «الشيخ» كثير والمسكوت عنه في بكائي أن كثيرا من الناس والبلدان قد سلمت أمر دينها ودنياها لأمثال هؤلاء.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem