عندما تكون صادقاً مع الله، وتكون صادقاً مع نفسك، فلا يمكنك ألا تكون مطمئناً إذا ما ربطت الأحداث التي تدور حوك بقضاء الله وقدره، فما على المرء إلا الاجتهاد، ولكن ليس عليه إدراك النجاح؛ ولهذا فالاجتهاد أداة من أدوات النجاح، لكنه ليس الأداة الضامنة له، مع أهميته.
والطمأنينة مرتبطة بالإيمان الصادق بأن ما كتب الله سيكون باجتهاد أو غير اجتهاد، واحتراز أو غير احتراز، لكن في نهاية الأمر ما سيكون في غالب الأمر يكون فيه خير إذا صدق المرء مع ربه، وربط الحدث بأمره، فالله عالم بأمور عباده، يقول الشاعر:
دعها سماوية تشمي على قدر
لا تفسدنها برأى منك منكوس
قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لكن تلك السفينة قد ترسو في شاطئ جميل، أكثر نفعاً، وأقل ضرراً، وأوسع مغنماً، أو قد يكون مرساها دفعاً لشر في الشاطئ المقصود، وتجنباً لكثير من أهوال البحر الممدود؛ ولهذا فالربط برب العالمين مبعثٌ للطمأنينة وراحة البال.
وفي كتاب أدب الدنيا والدين ما نقتبسه فنقول: الصبر على ما تقتضيه أوقاته، من رزية قد أجهده الحزن عليها، أو حادثة قد أكده الهم بها، فإن الصبر عليها يعقبه الراحة منها، ويكسبه المثوبة عنها، فإن صبر طائعاً، وإلا احتمل هماً لازماً، وصبر كارهاً آثماً. قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه للأشعث بن قيس: إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور. وقد ذكر ذلك أبو تمام في شعره؛ فقال:
وقال عليٌّ في التعازي لأشعثٍ
وخاف عليه بعضَ تلك المآثِم
أتصبرُ للبلوى عَزاءً وخشية
فتُؤجَر، أو تسلو سُلُوّ البهائم؟
وقال شبيب بن شبة للمهدي: إن أحقَ ما تصبر عليه ما لم تجد إلى دفعه سبيلاً، وأنشد:
ولئنْ تُصبك مصيبة فاصبر لها
عَظُمَتْ مصيبة مُبتلى لا يَصبرُ!
وقال آخر:
تصبّرَتُ مغلوباً وإني لموجَع
كما صبَر الظمآنُ في البلد القفر
وليس اصطباري عنك صبرَ استطاعةٍ
ولكنه صبرٌ أمرُّ من الصبر
كما على المرء إن صبر صبراً آخر وهو الصبر على ما فات إدراكه من رغبة مرجوة، وأعوز نيله من مسرة مأمولة، فإن الصبر عنها يعقب السلوَ منها، والأسف بعد اليأس خُرْق، رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أُعطي فشكر، ومُنع فصبر، وظُلِمَ فغفر، وظَلَمَ فاستغفر، فأولئك لهم الأمنُ وهم مهتدون».
وقال بعض الحكماء: اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تَنله مثلما لا يخطر ببالك فلم تقُله. وقال بعض الشعراء:
إذا ملك القضاء عليك أمراً
فليس يَحُله غيرُ القضاء
فما لكَ والمُقامَ بدار ذلٍّ
ودار العز واسعة الفضاء
وقال بعض الحكماء: إن كنت تجزع على ما فات من يدك فاجزع على ما لا يصل إليك، فأخذه بعض الشعراء، فقال:
لا تُطِلِ الحزن على فائتٍ
فقلَّما يُجْدِي عليك الحزَنْ
سيان محزون على فائتٍ
ومُضمِر حزناً لما يَكُنْ