في ظل تحديات هائلة وجسيمة.. وصراعات ونزاعات تعصف بواقع الوطن العربي.. تهدد بنيته وكيانه وتفتت وحدته وتسعى لخلخلة نسيجه السياسي نتيجة حالة الانشطارات والتمزقات الداخلية والتعرض لحملات مستمرة من التدخلات الخارجية.. وفي وقت تراجعت فيه المكانة السياسية للأمة العربية وقدرتها على التأثير في المحيط الخارجي حفاظاً على مصالحها ووحدتها نلحظ تراجعاً في مكانة القضية الفلسطينية بعد أن كانت في أولويات سلم الأجندة العربية..
وبالتالي تحولت كل المفردات الواقعية والتحليلية إلى مفردات استهلاكية أتعبت الشعوب العربية والإسلامية وخَدرَتْ إحساسها بالواقع بعد أن أصبح الحديث عن مفردات تحرير الأرض وحق العودة هي مفردات أقرب إلى الهزل منها إلى الجد.
الحديث عن فلسطين والشعب الفلسطيني هو حديث تاريخ النضال المتجذر في عمق الأرض الفلسطينية منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.. هو حديث تاريخٍ لشعبٍ لا يمكن أن يستكين أو يصمت تجاه قضيته وحقه المشروع في أرضه المحتلة.. لكن في ظل زحمة المتغيرات السريعة المتتالية والتي فرضت نفسها بقوة على الأوضاع العامة في الوطن العربي يبقى حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية بعيداً عن الامتداد الحركي في زمنٍ شَابَه كثيرمن التغيير...وبات يخضع لجملة من المتغيرات في موازين القوى الدولية... الأمرالذي أدى إلى أن تزيد إسرائيل في عبثيتها الهمجية ضد الشعب الفلسطيني... وتوغل في استباحة الدم والأرض... وتستمرآلتها العسكرية في التعبيرعن الفكرالسياسي لقادتها الرافض لكل مبادئ وقرارات الشرعية الدولية حول فلسطين والقدس.. وتبالغ في اضطهادها للشعب الفلسطيني الأبي بكل وحشية هذا الشعب المناضل الذي أثبت أن الاحتلال يجعل من القاومة رداً شرعياً وأخلاقياً لقلع المحتل واسترداد الأرض والممتلكات والحقوق المغتصبة مهما طال الزمن وغلا الثمن... فشرعية مقاومة المحتل لاسترداد الأرض المسلوبة لا يقبل المزايدة بأي شكلٍ من الأشكال.
وإزاء واقعٍ مضطرب يحاصرالوطن العربي من جهاته الأربع.. وإزاء مجمل التمزقات التي يعاني منها جسد الأمة العربية والإسلامية يبقى الصمت العربي والدولي أمام كل الاعتداءات الإسرائيلية التي تُمارس بحق شعب فلسطين.. وتبقى القضية الفلسطينية تائهة في زحمة عواصف الزمن... تتخاذل كل الهيئات الدولية أمامها... وترفض توفيرأي نوعٍ من أنواع الحماية الدولية لشعبها الذي عانى ولازال يعاني من واقعٍ مريرعلى أرضه المحتلة.
لقد أثبتت خطط مشاريع اليهودية العالمية أن إسرائيل الغريبة عن منطقتنا العربية والمُغتصِبَة لأرض فلسطين أنها تسعى في محاولة منها لتصفية القضية الفلسطينية.. وإلى تفتيت الدول العربية بل مسح الهوية العربية الإسلامية للمنطقة..فخيارالكيان الصهيوني ومنذ الأزل هو فرض الهيمنة اليهودية العالمية... لذلك جاءت الوقائع الإسرائيلية مجسِدة لخططها المقروءة في خطاب [اللاءات الثلاثة] والذي سبق أن ألقاه[ نتينياهو] أمام الكونجرس الأمريكي وحاز تصفيقاً حاداً من الحضور؛حيث قال: لا لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين..لا للعودة إلى حدود عام 1967م أو لتقسيم القدس التي ستبقى العاصمة الموحدة والأبدية للدولة اليهودية..لا لوقف الاستيطان..
الحقيقة التي لا جدال فيها على الإطلاق هي أن المشروع الإسرائيلي المدعوم بقوى اليهودية العالمية أثبت بأنه يراهن على صراعات داخل نسيج الوطن العربي.. ويستثمر بؤر الضعف التي أصابت مفاصل جسد الأمة العربية... وحالات التمزق التي يعاني منها.. هو رهان من شأنه صيانة أمنها... وضمانٌ يكفل لها تحقيق مشروع مخططاتها التوسعية والاستيطانية عند ذلك تتوه قضية العرب الأولى قضية فلسطين وسط نشاط السياسة الإسرائيلية التي تُجير لنفسها كل القوانين الدولية والتي تخدم وتحقق نواياها... وتُجهض ما كان منافياً لسياستها وخططها ومشاريعها... هذا هو جوهر الإستراتيجية الإسرائيلية الذي جُسد ضمنياً في مشروع الشرق الأوسط الجديد...! فهل نشهد في يوم من الأيام تحولاً وانعطافاً دولياً لصالح القضية الفلسطينية وضد المشروع الصهيوني....؟ ربما...
zakia-hj1@hotmail.com