إذا كان الصدق في المواضيع العلمية يعني التدقيق والوضوح واستعمال المنطق والابتعاد عن لغة الخيال، وملاءمة الواقع، فإنّ الصدق في الأدب يتحقق إذا انطلق من عاطفة المبدع وانفعاله. وهو إذا كان يخرج من القلب فإنه يصل إلى قلب المتلقّي، فيشعر بما شعر به المبدع وينفعل معه؛ والصدق هنا يتحقق؛ ولا يتم هذا إلاّ بالخيال أو الصور الفنّية، واستعمال الكلمات بأسلوب معيّن، وكم من موضوع واحد يتناوله عشرات الشعراء، ولكنّنا نحسُّ الصدق لدى هذا، ونرى التكلُّف لدى ذاك، نرى الطّبع - وهو من مقوّمات الصدق - عند هذا، ونرى الصّنعة أو التقليد - وهما نقيضان للصدق - لدى الآخر.
إنّ الخيال هو الثوب الذي يُلبسه المبدع لفكرته أو لمعناه، فالخيال مرفوداً بالعقل يقدّم خصوصية للشاعر، تنبثق من خلال انعكاسات الأشياء في حسِّه وفي نفسه.
د . فاروق مواسي
***
الصدق الفني هو انفعال الأديب وإحساسه بما يقول وتأثُّره به لحظة الإبداع، ذلك أن ذاكرة الخيال في عقل الإنسان لا تبقي إلا المشاعر التي تحرِّكه، أي الصور التي استقبلها بتفاعل عند عملية الإدراك، أما الصور التي لم يتأثّر بها لحظة إدراكها فتبقى - إذا بقيت في الذاكرة - خاملةً بعيدةً عن عملية الاسترجاع، إذاً لا بدّ للأديب من انفعالٍ ما في لحظة تلقي الحدث، أما لحظة الإبداع فقد يعيش انفعالاً وثَمَّ الصدق الفني وقد يفتعِلُ افتعالاً بمزاولة المنطق والترتيبات العقلية أو بمحاولة التلفيق والتزوير.
ونحن لا نملك حق الاطلاع على ضمير الأديب لتقرير ما إذا كان صادق الشعور أو لا.
د. مصعب حمود
***
الشعر النبطي الحديث الذي يكتبه أستاذ الجامعة والأديب المفوه والمثقف والذي صنع بأساليبه ولغته وصوره وأخيلته وموسيقاه ومضامينه واتجاهاته مدارس شعرية لا تختلف عن مدارس الشعر الفصيح من الرومانسية والكلاسيكية والواقعية والرمزية، لأنه نتاج فكر إنساني ورافد من روافد المد الأدبي لثقافتنا المعاصرة والشعر النبطي الحديث، وهو ينطلق مع تيار التجديد لم ينسف الصالح من القديم بل احتفظ به واضاف عليه ما يلبسه ثوباً جديداً لا يطمس معالمه القديمة ولا يشوه رسومه المأثورة، فقد دخل عالم التجديد من بوابة الشعر القديم ليعيد إليه نشاطه، وشبابه ويساعده على استئناف رسالته في الحياة، وهذا هو التجديد الصحيح والصحي.
عبد الله بن سليمان الربيعان