أنشأت حسابي في (تويتر) ليكون رافدا لمعرفتي بحال المواطنين من الناس وأحوالهم، تطلعاتهم وهمومهم، حتى أكتب من الواقع المعايش، وخلال سنتين من النشاط اليومي بين ثلة المتابعين ومن أتابع تبين لي أن القاسم المشترك الأعظم لدى السعوديين، هو الإحساس العام بالقصور الوطني عن بلوغ الطموح الشعبي، الشعور العام بغياب التخطيط المتجانس للتنمية، والشعور العام بضعف الإدارة العامة لمشاريع وخدمات الدولة، والشعور العام بهبوط الهمة والدافعية نحو تحقيق معدلات تنموية مرضية. كثيرة تلك التغريدات التويترية التي تشتكي من غياب المفاهيم التي تعلنها الدولة كمنهج عام، فالطبقية والتفاضل الاجتماعي تربك توزيع الحقوق وحفظها، والفساد يعيث في البلاد، وضعف التنفيذ والمتابعة يهلك المنافع، والصراع يحتدم عند مفترقات الطرق بين فريقين، فريق يريد التحرير وفريق يريد التقييد ولسان حالهم «يوم بيوم والحروب سجال»، وشعرة معاوية لم تعد شعرة فقد اصبحت نسيجا معقدا من الحسابات والتوازنات التي تستهلك التفكير والتدبير وتشتت الاتجاه. وفي نظري أن هذه في مجملها أعراض مرض عضال أصاب البلاد وسيفتك بها إن لم يعالج بحكمة وروية وحزم، فما هو هذا الداء المزمن القتال؟
لست خبير تنمية ولست حكيم إدارة ولكني مواطن مشغول بهم الحياة، والحياة التي تهمني أكثر هي تلك التي تنتظر ابني وبناتي في المستقبل وحين يكون همهم حماية الوطن الذي يظلهم، حمايته من الداء الذي ينهك قواه وحمايته من أطماع الغزاة، لذا أمضي الكثير من الوقت أتدبر أحوالنا، وأستقرئ حالتنا، وأرقب مظاهر الشعور الشعبي تجاه الواقع. وأجزم ان هناك المئات بل الآلاف من المواطنين يشغلهم شاغلي ويدور في أذهانهم هموم تجانس همومي، وكلنا في فلك واحد نشترك في الحال والمصير. وخلال هذا الوقت الطويل كنت أجنس المظاهر في محاولة للتعرف على مكمن محركها الذي بدا لي كداء عضال، هو مصدركل الإشكالات التي نعاني منها، هذا الداء ربما كان موجوداً في الاصل، ولكنه كان في حالة كمون، وعندما بدأ المجتمع في التنوع والتجانس على معايير جديدة لم يعتدها من قبل فقد مناعته لذلك الداء الذي تحرر من كمونه وبات يعيي الوطن. هذا الداء هو الاستئثار، الاستئثار في كل شيء، في الإدارة والسياسة والتجارة والماء والكلأ والمصالح والمفالح، الاستئثار بالحقوق والصحة والتعليم والرأي، الاستئثار بقيادة الناس وتدبير شؤونهم دون رضى منهم، الاستئثار بالحرية والدين والعقاب والثواب. الاستئثار هو علة بلادنا القاتلة وهو مرض ينتشر ويستشري يوما بعد يوم، ويفقد بلادنا تجانسها ويحمها حتى علا أنينها، والأنين الذي بات مسموعاً في شكاوي قصور الخدمات وضياع الحقوق وهدر الأموال في مشاريع تتعثر وتسلط ذوي النفوذ.
الاستئثار مرض علاجه سهل متى حذق الطبيب المعالج، فدواؤه العدل الصارم والحزم الجازم والقدوة الصالحة والاستدامة على ذلك بوضع القوانين وآليات تنفيذها التي لا تراعي ولا تجامل ولا تلوي أعناقها لصالح احد، العلاج الناجع له مظاهر، منها غياب سطوة المتنفذين، وانخفاض صوت الناعبين، وسعادة المستضعفين، وسيادة النظام وانحسار الفساد والإجرام، وسمو الشعور بالوطن والالتحام حول عموده الشامخ.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail