يخالج الذين يكرهون دولة إسرائيل العنصرية ويكرهون صلف الولايات المتحدة وانحيازها التام لإسرائيل شعور طاغ بأن الحلف المعنوي الذي انعقد بين رئيس وزراء إسرائيل رئيس الحزب اليميني العدواني (الليكود)
نتانياهو من جهة ومرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية ميت رومني من جهة أخرى سيكون وبالاً على دولتيهما وأنه لو تحول من مستوى الدعم الخطابي الانتخابي إلى واقع فعلي - في حالة فوز رومنى بالرئاسة - فسوف يمهد الطريق للانحدار إلى الهاوية.
فما هو هذا الحلف ؟
نتانياهو لم يأل جهداً في إظهار تصميمه على منع إيران من حيازة القنبلة الذرية - ولو بالقوة. فقد ذكرت تقارير إعلامية أن نتانياهو يدرس توجيه ضربة عسكرية بشكل فردي ضد المنشآت النووية الإيرانية قبل الانتخابات الأمريكية (أخبار الخليج 12 أغسطس). وحاول في رحلاته إلى الولايات المتحدة في أكثر من مرة أن يكسب تأييداً صريحاً من الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) لقيام إسرائيل بشن هجوم جوي مباغت على المواقع المحتملة لإنتاج السلاح النووي الإيراني. ومع أن الرئيس الأمريكي أوضح أكثر من مرة أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح ذري، إلا أنه لم يحاول - فيما يظهر على الأقل - أن يشجع إسرائيل على تنفيذ هجوم جوي، وإن كان أكد في أحد تصريحاته التزامه (المقدس) بأمن إسرائيل، كما أنه وقع قبل أسابيع اتفاق تعميق التعاون العسكري مع إسرائيل. أما خصمه الجمهوري (ميت رومني) فقد رأى أن يعبر عن وفائه لصديقه القديم (نتانياهو) بوعد قطعه على نفسه - عندما زار إسرائيل قبل شهرين- حيث أعلن أنه يتعهد بأن لا تغض الولايات المتحدة طرفها أمام التحدي الموجه ضد وجود الدولة اليهودية، وأن تستخدم كل الإجراءات التي تمنع إيران أن تكون دولة نووية دون استثناء أي خيار، وأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وأن (من حق الولايات المتحدة أن تقف بجانبكم) -(موقع صحيفة الجارديان - 29 يوليه). نعم، لقد تحاشى أن يقول إنه سيدعم إسرائيل مباشرة عندما تهاجم إيران، لكن المعنى واحد وهو ألا تخف ولا تحزن يا صديقي نتانياهو، سوف نقف معك عندما تشن هجومك على إيران - هذا إن كنت أنا الرئيس !
لماذا يجر الحلف إلى الهاوية ؟
لنا أن نتخيل مشهداً حقيقياً تفشل فيه الخيارات الدبلوماسية المطروحة حالياً (وكأنه لا توجد خيارات غير المطروحة!) ويكون السيد رومني هو رئيس الولايات المتحدة ويسارع نتانياهو إلى استعمال الصلاحيات الاستثنائية التي منحت له مؤخراً فإن أول ما سيتذكره نتانياهو وعد الصديق رومني بدعم موقف إسرائيل أي تأييدها في مسألة شن الهجوم على إيران، وهو يعرف من سابقة تاريخية كيف يستغل الوعود (ألم تنشأ إسرائيل من وعد بلفور المشؤوم؟)، وسيتذكر أيضاً أن إسرائيل قامت مرة بتدمير مبنى المفاعل الذري العراقي عام 1981، ومرة أخرى بضرب مواقع منشأة ذرية محتملة في سوريا عام 2007، ولم تقم قيامة أحد لا في العراق ولا في سوريا ولا عند أصدقاء إسرائيل. فلماذا إذن لا يتوكل على الشيطان ويضرب ضربته الكبرى على المنشآت القريبة من إنتاج سلاح ذري في إيران وهو واثق من دعم حليفه ميت رومني ؟
غير أن الضربة هذه المرة - إن حصلت ولم تفشل - ستكون موجعة حقاً ولكن غير مميتة، وسوف تعطي النظام الخميني الحاكم في إيران ذريعة عظيمة ومسوغاً قوياً للانتقام، ليس من إسرائيل وحدها بل ممن يدعمها. وسوف يجيش النظام حلفاءه الذين أعدهم وأمدهم بالسلاح والأموال و الأعوان واستغل عاطفتهم الطائفية - وخاصة أولئك المحيطين بإسرائيل- من أجل أن يوجعوا إسرائيل ويجروها إلى الحرب، وسوف يعمد النظام أيضاً إلى إحداث أكبر ضرر ممكن بالمصالح الأمريكية بما يشمله ذلك من تهديد وإيذاء لجيران إيران. هذا المشهد برمته سوف يستتبع تدخلاً أمريكياً وحشداً عسكرياً للحفاظ على المصالح الأمريكية وعلى أمن إسرائيل. ولكن لا أمريكا ولا إسرائيل ستكسبان أي تعاطف من دول العالم على الرغم من مشاركتها في تطبيق العقوبات الاقتصادية، لأن العالم أخذ درساً من تدخلات أمريكا في أفغانستان والعراق التي بدأت قاصمة حادة ثم تحولت إلى قرحة مزمنة. وسوف تضطر أمريكا إلى أن تتحمل وحدها التكاليف المادية الباهظة والخسائر البشرية المؤلمة في حال قيامها بهذا الدور الداعم لإسرائيل. وسوف يعاني الاقتصاد الأمريكي الأمرين من جراء ذلك، بعد أن بدأ يتعافى من أزماته التي مر بها في السنوات العشر الأخيرة. وسوف يعاني المجتمع الأمريكي من تكرار مآسي الحروب التي ما إن يخرج من واحدة منها حتى يدخل في أخرى. وسوف يزداد الإحساس لدى الأمريكان بأن إسرائيل أصبحت فعلاً تمثل عبئاً يهدد أمنهم ورخاءهم، وأن من الأنفع لهم أن يتخلوا عن التزامهم (المقدس) بأمنها.
نحن بالطبع لا نتمنى أن يحصل هذا المشهد على الرغم من إدراكنا أن قدرة إيران على صنع السلاح الذري نفعها للشعب الإيراني نفسه معدوم وضررها الرهيب عليه وعلينا معلوم. ولعل مثل هذا المشهد الذي تخيلناه - والذي إن تحقق سوف يجر إلى هاوية سحيقة - هو ما جعل أوباما يحجم عن إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل، ولعله يوازن بعد لقائه مع نتانياهو في 27 أغسطس بين خيارين : إما أن يوجه الاقتصاد الأمريكي والشباب الأمريكي إلى المخاطر وميادين الحرب ليموتوا، أو إلى المصانع والوظائف وميادين الإنتاج ليعيشوا.
الانزلاق إلى الهاوية معقود بقرار رئاسي خطأ يخلط فيه متخذ القرار - أيا كان- بين مخاطر متوقعة من إيران يمكن حشد العالم كله لتلافيها بشتى الوسائل السلمية (كما هو حاصل الآن أو بما هو أكثر منه) ومخاطر واقعة تتمثل في الهولوكوست الإسرائيلي الذي يخنق الشعب الفلسطيني وفي حيازة العشرات من القنابل الذرية التي تهدد الوجود العربي.