في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وفي تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك، قُتل ما يقارب ثلاثة آلاف شخص، بعضهم مسلمون، في جريمة حتى الآن يلف تفاصيلها الغموض! لا يمكن الاستهانة بمشاعر ذويهم؛ فهي كارثة إنسانية مروِّعة، وإقامة حفل يتم فيه تذكر هذه الكارثة، التي وقعت على الشعب الأمريكي وقوع
الصاعقة، أمر يحسب للحكومة الأمريكية التي لا تنسى أرواح شهدائها، بينما الكثير من الدول العربية نزعت صفحات مآسيها من سجلات تاريخها فانمحت أو كادت من ذاكرة الشعوب!
في هذه الذكرى تُقام الاحتفالات، وتنكس الأعلام، وتلقى الكلمات الرسمية في أكثر من مدينة وأكثر من موقع، ويُعاد سرد كل الحكايات التي كُرّرت مئات المرات، وتبث المقاطع التلفزيونية للتفجيرات ومقابلات مع أهالي الضحايا، وكل ذلك أمر لا يمكن الاعتراض عليه! لكن المشكلة أن إحياء المناسبة من خلال مشهد سنوي لا يخلو من غمز ولمز بل وتصريح في وسائل الإعلام عن الإرهاب الإسلامي ودوره في التفجيرات! فنحن هنا أمام كرنفال سنوي، لا يقتصر فقط على إحياء الذكرى كيوم وطني! بل إنه أصبح يوماً لممارسة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، هذا طبعاً لا يحدث من قِبل الحكومة الأمريكية، ولكن وسائل الإعلام - وهي الأخطر تأثيراً - تفعل ذلك! وفي مثل هذا التعميم الخاطئ تختفي حقيقة أن ذلك التفجير نفذه شباب غُرّر بهم، ودفعتهم مآسي المسلمين في أفغانستان والعراق وفلسطين لأن يكونوا ضحايا، مثلهم بالضبط كمن ماتوا في المبنى! كل الدول الإسلامية أدانت التفجير، ووصفته بالإرهابي، ومعظم المسلمين يرفضون هذه الأعمال، لكن الإعلام الأمريكي لا يشير إلى ذلك، بل لا يزال يرمي التهم على الإسلام والمسلمين بشكل عام! ما يعزز ويوقد شعلة الكراهية و(الإسلام فوبيا) عند الشعب الأمريكي! أمريكا لا تحتاج إلى ذكرى كذكرى المحرقة، هي أكبر من ذلك! ولا إلى جدار للمبكى تذرف حوله دموع الأسى! أعتقد أن الاحتفال بهذه الذكرى سيكون أجمل لو لم يتم إيذاء مشاعر المسلمين في أمريكا وخارجها! فلماذا يؤخذون بجريرة عدد محدود من شباب غُرّر بهم؛ ليقدموا على جريمة كانت آثارها على المسلمين أكبر من ضررها على أمريكا! فتلك العملية نتج منها هيمنة أمريكية على قرارات كثير من الدول الإسلامية، واحتلال دولتين، وقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء!
لذلك فإن إحياء ذكرى الحادي عشر من سبتمبر أو ما بعده بقليل يصبح أيضاً حقاً مشروعاً للعراق وأفغانستان، تُحيى فيها ذكرى مقتل مئات الآلاف من أبنائها، الذي أعقب حادث التفجير! لكن كيف ذلك والدول العربية والإسلامية تتنصل من تاريخها، ولا تتذكر سوى عيد ميلاد الرئيس أو عيد الأم والعمال! وإلا فلدينا من المصائب والكوارث ما الله به عليم! هل نحيي ذكرى موت مليون شهيد بالجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي أم الإيطالي في ليبيا أم المذابح التي فعلها الفرنسيون في سوريا أم العدوان الثلاثي على مصر أم احتلال العراق أم وعد بلفور أم صبرا وشاتيلا أم نكبة فلسطين أم تقسيم السودان.. والقائمة طويلة! أعتقد لو أننا أحيينا ذكرى كل مصائبنا لن نجد يوماً للفرح! ولعل هذا هو السر الذي جعل من الحكومات العربية تتناسى المناسبات الحزينة لكثرتها حفاظاً على الصحة النفسية لشعوبها، التي كان الغرب سبباً مباشراً فيها، نحن نسينا احتلال الأوطان ونهب الثروات وقتل مئات الآلاف بينما هناك من لا ينسى حادثة واحدة تم قتل (المشتبه) بمسؤوليته عنها، وأُلقيت جثته في البحر!
alhoshanei@hotmail.com