لا أشك أن الحكومة قد بدأت الاهتمام بالتطوير الإداري منذ زمن مبكر إلا أنه كان أكثر فاعلية وتركيزاً في الـ 60 الميلادية من القرن الماضي ومن ذلك إنشاء لجنة الإصلاح الإداري والاستعانة بمؤسسة فورد ومن ثم إنشاء معهد الإدارة العامة. كما خصصت الحكومة مبالغ مالية ضخمة لتطوير الموارد البشرية بصفة عامة ولتدريب موظفي الحكومة بصفة خاصة. إلا إنه رغم ذلك فإنه يلاحظ تدني إنتاجية موظفي الحكومة حسب دراسات سابقة ومنها دراسة لمعهد الإدارة العامة فما هي أسباب ذلك؟.. لقد كنت أفكر في هذا الأمر وإعداد مقالة حول أسباب تدني إنتاجية الموظفين العموميين بصفة عامة وفي القطاع الخاص بصفة خاصة، وقد شجعني على الكتابة حول الموضوع مقالة الدكتور جاسر الحربش بعنوان: (داء الموظف السعودي مأساة) (الجزيرة العدد 14578) لما في المقالة من تصوير واقعي لمعظم موظفي الحكومة -ولا أقول كلهم- والذين يشعرون دائماً بالإحباط رغم التدافع للحصول على هذه الوظيفة وأنها الأمان المالي الوحيد للموظف، ولأنهم يعتقدون بأنهم يحصلون على انتدابات وخارج دوام بشكل دائم والخروج من المكتب بعدة أعذار منها ما هو واقعي وصحيح ومنها ما هو العكس، وهو ما لا يمكن حدوثه في القطاع الخاص، والإجازات الكثيرة في الأعياد وغيرها، ولأنهم سيتسلمون رواتبهم آخر الشهر كاملة غير منقوصة سواء المنتج منهم ومن لا ينتج كما أن الترفيعات بمضي المدة الزمنية المحددة بالنظام مضمونة وهكذا. ولعل أهم أسباب الإحباط هو شعور الموظفين بأن رواتبهم لا تتلاءم مع تكاليف المعيشة الحالي، ولا مع ما يتمتع به أقرانهم موظفي المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص الذين يحصلون على أضعاف رواتب موظفي الحكومة والحوافز المادية الأخرى وبالذات في الوظائف الفنية والمتخصصة. إن ثقافة العمل في المملكة بصفة عامة وفي القطاعين ليست مبنية على الإنتاجية ولا على أسس علمية أو اقتصادية، وهناك من يعتبرون أن على الحكومة توظيفهم وليس القطاع الخاص، وكأن الوظيفة العامة ضمان اجتماعي وليس عملاً مقابل إنتاج. وللإنتاجية تعريف بسيط هو: إنجاز العمل بشكل يلبي رغبات المستفيد، وهذا ما لا نجده في كثير من الأجهزة الحكومية بل والمؤسسات العامة. هذه ظروف وثقافة العمل في القطاع الحكومي وهي سبب إحباط موظفي الحكومة، مما يجعل من الضروري تحديث أنظمة الخدمة المدنية ووضع معايير وأسس لإنتاجية كل موظف، بل وضع إستراتيجية وطنية للإنتاجيةتشمل إنتاجية الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص على أسس علمية، وألا نقدر البطالة بعدد الذين لا يعملون، وإنما أيضاً بإنتاجية من يعملون، والقضاء على البطالة المقنعة، ووضع أنظمة وحوافز هدفها البقاء للأصلح (المنتج). إن نظام الخدمة المدنية الحالي أحد أسباب تدني انتاجية الموظف الحكومي، لأنه لا يوجد مقياس للإنتاجية وأن التقييم السنوي الحالي للموظفين يعتمد على أسس ومقومات شخصية، فالمسؤول قد يعد تقريراً غير واقعي كأن يعطي الموظف تقدير ضعيف بينما الواقع العكس كما قد يعطي بعض المديرين تقرير كفاية لجميع موظفيه تقدير ممتاز، ويعطيهم دورات تدريبية متعاقبة للاستفادة من المدة في الترقية، حيث تحتسب ضعف مدة التدريب في المدة اللازمة للترقية. وختاماً أن وضع الموظف الحكومي ليس مأساة فقط وإنما فيه هدر اقتصادي لموارد مالية بالمليارات بسبب البطالة المقنعة وقلة الإنتاجية. وقبل الختام أود أن أشير إلى ما نشر بجريدة الحياة (10 يونيه 2012) عن نتائج دراسة المعهد الكوري للتنمية عن المملكة، والتي أشار فيها إلى أن موظفي الحكومة لا ينتجون خلال ساعات عملهم سوى 40% مما يمكنهم إنتاجه، وأن مستوى التعليم في المملكة لم يصل إلى المستوى المأمول.
كما أورد التقرير أعلاه بعض نقاط الضعف في الاقتصاد السعودي:
1. بيروقراطية غير فعالة.
2. قطاع عام ضخم وغير كفء.
3. نقص المهارات المتوسطة والمتميزة.
4. ضعف أخلاقيات العمل.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة حول تجاربي الإدارية.
خير الكلام ما قلّ ودلّ حديث شريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
- الفوضى السائدة في سوق العمل والعمالة السائبة وارتفاع تكاليف الخادمات وهروبهم، تسيب إداري له جوانب سلبية اجتماعية وأمنية واقتصادية.
والله الموفق؛؛؛
musallammisc@yahoo.com*عضو جمعيتي الاقتصاد والإدارة السعودية