بقلم - ستيفن ريتشر:
شكّلت الجولة التي قامت بها مؤخراً وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى أفريقيا واستمرت على مدى عشرة أيام، نوعاً من أنواع التنازلات.. ففي الواقع، انتشار الصين لافت في جميع أنحاء القارة الأفريقية مؤخراً، سواء عبر استغلالها للموارد الطبيعية الشاسعة، أو تنفيذها مشاريع بنى تحتية لطالما تعهّد الغرب القيام بها ولكنه لم يفِ بعهده هذا.
وواقع الأمر أن القادة الصينيين يستغلّون قدرتهم على تنفيذ مشاريع في الوقت المحدد وضمن الميزانية المطلوبة، ويطرحون على نظرائهم في القارة الأفريقية اتفاقاً واضحاً وصريحاً: إذا تعاونتم معنا، سنقوم بالبناء - وانتهى الأمر.
وبما أن مسيرة النمو في القارة السمراء قد اصطدمت بغياب بنية مواصلات يمكن الاعتماد عليها، يصعب بالتالي صدّ مثل هذا الاقتراح، لا سيما وأنه يُشكل فرصة تاريخية.
ولو وضعنا جانباً سلبيات طرق التطوير التي تعتمدها الصين في أفريقيا - مثل الاعتماد بشكل أكبر على يدها العاملة المحلية وإن كان الأمر يتعلق بمشاريع تقع في قلب القارة الأفريقية - لوجدنا أن رؤية الصين تتميّز بشكل كبير عن رؤية الغرب.. فخلال الحقبة الأفريقية التي تلت الاستعمار، ركّز الغرب على إرساء الديمقراطية أكثر من تركيزه على بناء الأسواق.. أما المقاربة الصينية فقضت بعكس هاتيْن الأولويتيْن.
والجدير ذكره أنه مهما كانت تفضيلات الغربيين، فاتخاذ القرار بشأن ترجيج كفة الديمقراطية أم الأسواق يجب أن يعود في نهاية الأمر إلى الدول الأفريقية وحدها.
ولا شكّ أنه بالمطلق، من الأفضل التركيز على إرساء الأسسس الديمقراطية.. وإنما في دول لا يزال فيها الفقر منتشراً، تصحّ الحجّة المعاكسة لذلك، وإن كانت على مضض، لا سيما بالاستناد إلى سجل الغرب غير الحافل للسنوات الخمسين الماضية.. أضف إلى ذلك أن انتشار الديمقراطية في معظم أنحاء أفريقيا لا يزال متعثراً بقدر تعثر نمو الاقتصاد.
أما بالنسبة إلى التركيز أولاً على بناء السوق، فمن شأنه أن يعزّز إمكانيات طبقة متوسطة ناشئة - قد تساهم في معادلة كفّة مخلّفات الإقطاعية القائمة على النظام العشائري.. وانطلاقاً من هذه المقاربة، يدفع النمو الاقتصادي باتجاه التطوّر السياسي، وذلك في الواقع ما شهدته أوروبا إلى حد ما خلال القرون القليلة الماضية.. فتفعيل العنصر الاقتصادي في هذه المعادلة دفع آنذاك بالتجار إلى المطالبة بمنحهم المزيد من الحقوق السياسية، الأمر الذي وجّه القارة الأوروبية في نهاية المطاف نحو مسار الديمقراطية المتكاملة.
ومع استمرار الصين بمد الجسور وسكك الحديد، وبناء مراكز المؤتمرات في أنحاء أفريقيا، أصبح، ولسخرية الأمور، بإمكان الصين، وبتعبير آخر الشعب الصيني - وليس الأميركيين - التبرير بشكل مقنِع أن تركيز أعمالهم في أفريقيا لم يكن موجَّهاً إلى نشر إيديالوجية، وإنما إلى المصلحة العملية التي تتمثل بتأمين الموارد الطبيعية وتكوين قاعدة عملاء جدد.
(*) ستيفن ريتشر هو رئيس النشر ومدير التحرير في صيحفة «ذا غلوبليست» الإلكترونية، ورئيس مركز بحوث «ذا غلوبلست».
© Harvard business School publishing corp. Distributed by the new york times syndicate.