لا يُمكن لأي إنسان متحضر أن يقبل أي إساءة أو استهزاء بأي شخصية عامة، فما بالك أن تتم الإساءة للرسول الكريم من خلال فيلم ركيك، كان الغرض منه استثارة الشارع المسلم، وإظهاره في موقف لا يُحسد عليه، فما حدث في بنغازي يُخالف مبادئ الدين الحنيف بعد أن تمَّ قتل أبرياء ليس لهم علاقة بالإساءة، وما حدث أيضاً يُعتبر خروجاً عن السلوك الإنساني المتحضّر في إظهار الموقف المُعترض على إساءة، ويبدو أن الذي يقف خلف ذلك العمل الرديء، كان يعي جيداً سيكولوجية العقل المسلم وميله للجهالة والتطرف والعنف في التعبير عن الرأي.
كثيراً ما نردد:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً
لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
لكن سرعان ما نتراجع عن ذلك الموقف ونُظهر سلوكاً خارجاً عن المألوف، قد يصل إلى حد إراقة الدماء والتصرف بعنف ودموية لا مثيل لها، كان ذلك ظاهراً فيما شاهدناه على القنوات الإخبارية خلال الأيام الماضية، والذي أعطى صورة غير حضارية عن العقل المسلم، وفي نفس الوقت منح تلك المشاهد الركيكة انتشاراً عالمياً مثلما حدث في زمن الكاريكاتير الدانماركي ورواية سلمان رشدي، ويبدو أننا لا نتعلم من أخطائنا، والسبب أن الشارع مشحون بالتطرف الديني والرغبة في التعبير بصورة صاخبة عن آرائنا ومواقفنا، في حين يقف خلف ذلك السلوك فشلٌ ذريعٌ على مختلف المستويات، فنحن أمة منهزمة ومنكسرة، ولم يبق أمامنا إلا تهشيم ما بقي من صورة مشرقة عن حضارتنا التي أدبرت عندما تخلينا عن تحكيم العقل والحكمة في حياتنا العامة.
ما يحدث هو نتاج الخطاب الديني المتزمت والذي جعل من العقل المسلم قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أي لحظة وبدون مقدمات. كان من نتائجه أن تراجعت الحكمة، وصار التشنج والتزمت والتطرف سلوكاً مقبولاً، يحكم الرأي العام ويزرع التهور في أبنائه، وأعتقد أن الزمن ربما حان لإخراج ذلك الصوت الجهوري التحريضي من حياتنا العامة، فقد تعبنا من الردود العاطفية التي لم تخلف إلا الدمار لهذه الأمة بدءاً من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وانتهاءً بالتشدق الإعلامي بالدموية وقطع الرؤوس من خلال قنوات التلفزيون، أي مستقبل تنتظره هذه الأمة بعد أن أصبح الهوس الديني يحكم عقول وسلوك شبابها.
هل يظن هؤلاء أنهم بهذا التصرف الأهوج والدموي يعيدون للأمة مجدها، أم أنهم في الواقع يدفعونها لمزيد من الجنون على هيئة ما حدث في الصومال من تشرذم وهلاك، يعيش العالم العربي والإسلامي في جزر من دم، بسبب الطائفية وتلك الآراء المتطرفة التي لم تزرع في عقول النشء إلا الكراهية والتعصب، لماذا نحن أمة قابلة للاستثارة.. لماذا نميل للعنف لهذه الدرجة؟، ولماذا نحن جاهزون للخروج سريعاً من حالة العقل إلى الجنون؟، أيعقل أن نمنح لهذا المنتج النكرة ما يبتغيه، فقد نال الشهرة العالمية بسبب تصرفاتنا الهوجاء؟، يبقى سؤال: هل ما فعلنا يُوافق خلق الرسول الكريم، وألم يأمرنا الله عز وجل في كتابه المطهر أن “لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”، فلماذا إذن نقتل ونحرق ونتصرف بتلك العدوانية؟، هل هي الجاهلية التي نهى الله عنها أم ماذا؟.